سافانا الثقافي:” ألغاز الموت في عالم ألعاب القوى الإفريقية: ماذا يحدث في كينيا؟” في الأشهر الأخيرة، بدأت تتزايد الحوادث الغامضة التي تحيط بمقتل عدد من نخبة الرياضيين الأفارقة، معظمهم في كينيا، التي تُعد واحدة من أكبر المنابع لإنتاج أبطال ألعاب القوى في العالم. هذه الوفيات، التي وقعت في ظروف مبهمة وتحت ملابسات غامضة، تركت المجتمع الرياضي الإفريقي والعالمي في حالة من الحيرة والصدمة، وأثارت تساؤلات عن حقيقة ما يجري خلف الكواليس.
أحدث تلك المآسي كانت وفاة ريبيكا تشيبتيغي، العداءة الأوغندية البارزة التي شاركت في دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس، حيث تنافست في سباق الألف متر. تشيبتيغي، البالغة من العمر 37 عامًا، لقيت مصرعها بعد اعتداء صادم من قِبَل صديقها الذي أقدم على سكب البنزين عليها وإشعال النار في جسدها. دخلت إلى مستشفى جامعة إدلوريت في كينيا وهي تعاني من حروق غطت 75% من جسدها، ورغم محاولات الأطباء، انتهت المأساة بوفاتها. هذا الحادث المأساوي لم يكن الأول في سلسلة الوفيات الغريبة التي طالت عدائين أفارقة، بل كان واحدًا ضمن عدة حوادث تكررت في السنوات الأخيرة.
ما يزيد من غموض هذه الحوادث هو التشابه الكبير بينها من حيث ظروف الوفاة والطبيعة المفاجئة. ففي عام 2011، عُثر على العداء الكيني الشاب صامويل وانغيرو، الذي كان يُعتبر أحد أفضل العدائين في الماراثون على مستوى العالم، ميتًا في منزله. الرواية الرسمية تشير إلى سقوطه من شرفة منزله، لكن الشكوك ظلت تحيط بهذه الرواية، خاصة وأن وانغيرو كان على وشك تحقيق المزيد من النجاحات الرياضية الكبيرة قبل وفاته.
وتتوالى القصص المحزنة، ففي عام 2021، هزت وفاة العداءة الكينية أغنيس غيبيت تيروب الأوساط الرياضية العالمية. تيروب، التي فازت بالميدالية البرونزية في بطولة العالم، عُثر عليها مقتولة في منزلها بعد تعرضها لعدة طعنات. ووفقًا لتقارير الشرطة، كان المشتبه به الرئيسي في القضية هو شريكها الرياضي ومدربها، الذي اعترف لاحقًا بارتكاب جريمته بعد مكالمة هاتفية مع عائلته.
تيروب كانت في ذروة مسيرتها الرياضية؛ فقد سجلت قبل وفاتها بشهر واحد فقط الرقم القياسي العالمي في سباق 10 كيلومترات للسيدات في ألمانيا. هذه النهاية المأساوية لواحدة من ألمع نجمات ألعاب القوى الكينية ألقت بظلال من الحزن والأسى على الساحة الرياضية، لكنها لم تكن الأخيرة في سلسلة الوفيات الغامضة.
بعد ستة أشهر فقط من وفاة تيروب، تم العثور على داماريس موثي موتوا، العداءة الكينية البالغة من العمر 28 عامًا، ميتة في منزلها المستأجر بالقرب من مدينة إيتن، في حادثة أشارت التحقيقات إلى أنها مرتبطة بعنف جنسي. موتوا، التي حققت نجاحات كبيرة في ماراثونات دولية، كانت على وشك الانطلاق في مسيرة رياضية واعدة، إلا أن حياتها انتهت بشكل مأساوي.
ولعل أكثر الحوادث التي أثارت الجدل والغموض في الأشهر الأخيرة كانت وفاة العداء الشاب كلفن كيبتوم، الذي حقق الرقم القياسي العالمي في الماراثون في فبراير الماضي. كيبتوم، الذي كان يبلغ من العمر 24 عامًا، توفي مع مدربه غيرفيس هاكيزيمانا في حادث سير غامض على طريق مستقيم في كينيا. شهود العيان الذين كانوا في موقع الحادث أكدوا أن الظروف المحيطة بالحادث كانت غير مبررة، حيث لم يكن هناك أي انحناءات في الطريق أو عوامل جوية معقدة يمكن أن تفسر ما حدث.
في ظل هذه السلسلة المتكررة من الوفيات الغامضة، بات من الواضح أن هناك شيء مريب يحدث في كينيا، البلد الذي أنتج العديد من أبطال ألعاب القوى العالميين. تساؤلات كبيرة بدأت تظهر حول البيئة التي يعيش فيها هؤلاء الرياضيون، والعوامل التي قد تكون وراء هذه المآسي. هل يتعلق الأمر بظروف نفسية وضغوطات رياضية؟ أم أن هناك شبكات خفية تلتف حول هؤلاء الرياضيين وتستغلهم بطريقة لا تُرى على السطح؟
بغض النظر عن الأسباب، فإن هذه الحوادث أثارت مخاوف كبيرة لدى المجتمع الرياضي الإفريقي والعالمي، حيث تتطلب التحقيقات فيها شفافية كاملة وتعاونًا دوليًا للكشف عن حقيقة ما يحدث. إلى أن تتضح الأمور، سيظل الغموض يحيط بمصير نخبة من أعظم الرياضيين الأفارقة.