سافانا الثقافي:“الصوماليون في أمريكا: من الهجرة إلى القيادة”
البداية والتواجد المتزايد
بدأت رحلة الهجرة الصومالية إلى الولايات المتحدة في أواخر الثمانينيات، بعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال وتفاقم الوضع الأمني. في البداية، كان عدد الصوماليين محدودًا، حيث تشير تقديرات [جمعية يوتا التاريخية] إلى وجود نحو 2500 شخص فقط في الولايات المتحدة بحلول عام 1990. ومع تصاعد الأزمات في الصومال، ازداد تدفق اللاجئين، مما أدى إلى تكوين جاليات كبيرة في ولايات مثل مينيسوتا، التي تضم اليوم أكبر تجمع صومالي في أمريكا. كما استقر الكثير منهم في أوهايو، نيويورك، وكاليفورنيا، حيث يشير تقدير الأمم المتحدة لعام 2015 إلى أن العدد الإجمالي قد يصل إلى 150 ألف شخص.
الصعود السياسي الاستثنائي
الولايات المتحدة قدمت منصة للصوماليين للتعبير عن أنفسهم سياسياً، وحققوا نجاحات لافتة في هذا المجال. إلهان عمر، التي تعد واحدة من أبرز الأسماء في هذا الصدد، انتخبت كأول لاجئة أفريقية في الكونغرس الأمريكي عن ولاية مينيسوتا عام 2018. أصبحت عمر رمزًا للصوت الصومالي في السياسة الأمريكية، حيث تستخدم منصبها للدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وواجهت تحديات كثيرة بما في ذلك الانتقادات اللاذعة من بعض التيارات السياسية.
عبدي ورسمي هو مثال آخر للنجاح السياسي، حيث انتخب لعضوية مجلس مدينة مينيابوليس عام 2013، ليصبح من أوائل الصوماليين الذين شغلوا منصبًا سياسيًا مهمًا في أمريكا. ورسمي قاد حملة لإنشاء دوائر انتخابية أكثر عدالة في مينيسوتا، مما ساعد في زيادة تمثيل الأقليات في الحياة السياسية المحلية.
التحديات والمحفزات السياسية
التحديات التي واجهتها الجالية الصومالية لم تكن سهلة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث زادت الصور النمطية السلبية تجاه المسلمين. هذا الوضع دفع الكثيرين من الصوماليين إلى البحث عن دور سياسي فعّال للدفاع عن حقوقهم والمساهمة في تحسين صورة مجتمعهم. من بين هذه الجهود، تأسيس [تحالف العمل الصومالي] الذي يسعى لتشجيع الصوماليين على المشاركة في العملية السياسية، سواء من خلال التسجيل كناخبين أو الترشح للمناصب العامة.
الشخصيات البارزة ودورهم في السياسة
إلى جانب إلهان عمر وعبدي ورسمي، هناك العديد من الشخصيات الصومالية التي نجحت في الولوج إلى الساحة السياسية الأمريكية. من بينها، ديكا دالاك، التي انتخبت كعضوة في مجلس نواب ولاية ماين وأصبحت أول عمدة أمريكية من أصل صومالي. دالاك قامت بحملة نشطة لدعم حقوق المهاجرين، خاصة في وجه سياسات إدارة ترامب التي سعت إلى تقييد الهجرة من دول مثل الصومال.
محمد نور هو شخصية أخرى بارزة، حيث كان أول صومالي أمريكي يعمل كمدير لمكتب عضو مجلس النواب الأمريكي. نور لعب دورًا حيويًا في دعم قضايا الهجرة وحقوق اللاجئين، وساهم في تعزيز حضور الصوماليين في المشهد السياسي الأمريكي. أيضًا، أحمد حسن، الذي ترشح لمجلس مدينة سانت بول، يعتبر من الأسماء البارزة في مجال السياسة المحلية، حيث عمل على تعزيز العلاقات بين الجاليات المتنوعة والدفاع عن حقوق المهاجرين.
النظام الانتخابي والتحالفات
استفاد الصوماليون من الهيكل الانتخابي في مينيسوتا، الذي يعتمد على نظام الدوائر الانتخابية ونظام التصويت الفردي القابل للتحويل. هذه الأنظمة توفر فرصًا أكبر للأقليات لتحقيق النجاح الانتخابي، مقارنة بالنظام الانتخابي الشامل. عبدي وارسامي، الذي انتخب لعضوية مجلس مدينة مينيابوليس عام 2013، كان من بين أول من استفادوا من هذا النظام، حيث قاد تحالفًا لدعم إنشاء دوائر انتخابية أكثر عدالة. هذا التحالف لم يكن مجرد انتصار سياسي، بل كان أيضًا خطوة كبيرة نحو تعزيز الثقل السياسي للأقليات في مينيسوتا. إضافة إلى ذلك، كانت [حزب المزارعين والعمال الديمقراطي] من الأحزاب التي رحبت بانخراط الصوماليين، مما أتاح لهم فرصة لتشكيل تحالفات استراتيجية تدعم قضاياهم.
المؤسسات المجتمعية والدور القوي للقبيلة
إلى جانب النجاح السياسي، لعبت المؤسسات المجتمعية دورًا محوريًا في حياة الجالية الصومالية. منظمات مثل [كونفدرالية المجتمع الصومالي] و [جمعية الآباء الصوماليين الأمريكيين] قدمت خدمات متنوعة، من بينها التدريب المهني وتعليم اللغة الإنجليزية ودروس المواطنة. هذه المؤسسات لم تكتفِ بتقديم الدعم الاجتماعي، بل أصبحت منصات لتجهيز الشباب للقيادة والمشاركة الفعالة في المجتمع. ومع ذلك، يبقى العامل القبلي جزءًا من النسيج الاجتماعي للصوماليين، حيث يستمر في لعب دور غير معلن في تشكيل التوجهات السياسية ودعم المرشحين، وذلك عبر قنوات التواصل الاجتماعي والمساجد.
التحديات المستقبلية
على الرغم من النجاحات التي حققتها الجالية الصومالية، إلا أن هناك تحديات لا تزال قائمة. من بينها التمييز العنصري والديني، وصعوبة تأمين الدعم المالي والسياسي، بالإضافة إلى محدودية الخبرة في مجال السياسة. كما أن هناك خلافات داخلية حول بعض القضايا السياسية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
ومع ذلك، فإن الأمل يبقى موجودًا، بفضل الجهود المتواصلة لقادة المجتمع ودور الشباب المتزايد في السياسة. الصوماليون في أمريكا لا يسعون فقط للاندماج في المجتمع، بل يتطلعون أيضًا إلى أن يكونوا جزءًا من صناعة القرار، مما يبشر بمستقبل واعد مليء بالإنجازات السياسية والاجتماعية.