سافانا الثقافي – بعد ثلاثين عامًا على طرده من وطنه بسبب روايته الأولى وتعرضه لمشاكل المجتمع، يحاول الروائي الصومالي نور الدين فارح في رواياته من “ضلع ملتو إلى إبرة عارية” البحث عن الهُوِيَّة الصومالية.
عاش الكاتب لمدة 59 عامًا ودرس في مناطق مختلفة حول العالم حتى استقر في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا في عام 1998، حيث يوجد الهدوء والجو المناسب للاختباء، ومع ذلك فهو لا ينسى بلده والصعوبات التي تواجهها، مثل الصومال الذي تشتهر بتاريخ طويل من الصراعات وسيطرت أمراء الحرب فيها، وثقافتها الذكورية.
تتناول رواياته الثماني ومجموعاته القصصية القصيرة بعناية وصدق تاريخ الصومال قبل وبعد استقلالها من إيطاليا وبريطانيا في عام 1960، بما في تلك الفترة الزمنية الصعبة التي شهدتها البلاد بسبب الحرب الأهلية، التي تسببت في دمارها وسقوط الحكومة، وربما يتميز الكتاب بأهمية التركيز على حاجة الهُوِيَّة الصومالية ووصفه للحياة اليومية للنساء في ظل سيطرة الرجال وتحديدًا منذ حصول الصومال على استقلالها.
أشهر روايات نور الدين فارح
سلط الضوء على هذا الموضوع انطلاقًا من استخدامه تصويرًا مجازيًا، وتتجسد فكرة روايته الأولى “من ضلع ملتو”، التي نُشرت في 1970، في شخصية فتاة صومالية تُدعى عبلة، تقوم بالهرب من مُخيم عائلتها التي تريد تزويجها من رجل عجوز يُكبرها بـ40 عامًا، وتتناول القصة صراع المرأة عبلة ومحاولتها العثور على هويتها في مجتمع قبلي يحرمها من حقوقها.
وتتنبأ رواية “إبرة عارية” (1976) بأزمة الهُوِيَّة التي تؤرق البطل فيها معلمًا في مدينة مقديشو، الذي يقع في حب فتاة بريطانية ويخطط للزواج منها، ومع ذلك يشعر بالصراع بين خوفه من فقدان هويته وقدرته على الاحتفاظ بها، وتظهر هذه الرواية بطريقة ملحمية تفاصيل علاقاته الإنسانية بالمرأة والغربيين، وتلاحق هويته الحقيقية وخصوصيته في عالم يتحول بشكل مستمر، ولقد أثارت هذه الرواية غضب محمد سياد بري، الديكتاتور الذي أصدر قرار الإعدام في حق الكاتب فارح.
في أثناء مسيرته الفنية، تميز الكاتب الروائي الصومالي بإنشاء ثلاثية من الأعمال، وكانت أول ثلاثية له تتألف من رواية “الحليب الحلو والمر” التي نُشِرت في عام 1979، تتحدث عن حقبة الثورات والمنظمات والإرهاب السياسي، وتروي حكاية توأمين، الأول باسم فلويان يعمل طبيب أسنان، والثاني يدعى سويان يعمل في المجال الصحافي، وهما يتواليان في الوفاة بطريقة غامضة.
خلال بحثهم عن سبب وفاة شقيقهم، تمكّن فلويان من اكتشاف أن شقيقه كان عضوًا في منظمة تعمل على تغيير النظام، وقد حصل هذا الكتاب على جائزة اتحاد الأدب للمتحدثين باللغة الإنجليزية، وتحمل القصة الثانية العنوان “تنويعات على فكرة الديكتاتور الإفريقي” وصدرت في عام 1980، وتركز على حقبة الاستعمار.
واختتم الثلاثية برواية “ساردينز”، التي صدرت في عام 1981، وتناول فيها سلطة الدولة والعائلة والتقاليد القديمة التي تسيطر على المجتمع القبلي والمدني.الثلاثية تحتوي على الروايات “الخرائط” (1983) و”دماء في الشمس” (1986) و”هدايا” (1999)، وتتناول عمومًا الألم الذي ينتج عن عدم وضوح الهُوِية والحضارة للبلد الذي خرج للتو من الاحتلال، وتهتم الأعمال بجهود البحث عن الهُوِية، ويتناول ذلك أحدث رواياته “صلات” التي تحكي قصة منفي صومالي يعود إلى بلده للبحث عن قبر أمه.
ما لا تعرفه عن الروائي نور الدين فارح
كشف نور الدين فارح، الذي وُلد في مدينة بيدوا الخاضعة للاحتلال الإيطالي في عام 1945، لوكالة الأنباء الألمانية، أنه ينوي إنشاء رواية جديدة كجزء ثانٍ لرواية “صلات”، وستشمل أحداثها الصومال أيضًا، ويقول فارح بعد تجربته للعيش في كيب تاون، أنه يشعر بالراحة في هذا المكان الذي يجمع بين تأثيرات الإسلام والروائح العطرية من مقديشو.
كما يؤكد فارح على أنه بغض النظر عن المسافة البعيدة بين جنوب إفريقيا والصومال، فهو يجد أيضًا سهولة في الاختفاء هنا في هذا المكان، حيث يوجد العديد من الأماكن الآمنة والخفية. عند عودته إلى الصومال في عام 1996، صرح فارح بأن الناس هناك لم يتغيروا كثيرًا ويفضلون الحديث بدلًا من العمل، في حين يفضل هو الكتابة. ويرجع فارح هذا الأمر إلى انتشار التقاليد الشفوية القوية وتعدد اللغات في بلاده الذي تجعل الكلمة المكتوبة مساحتها صغيرة، ويقولون إن الصوماليين يمتلكون قدرات كتابية مدهشة في كل المجالات، إلا أن تحويل هذه الكتب إلى أدب حقيقي يتطلب مهارات خاصة.
فارح هو ابن لوالده الذي كان يعمل مترجم للبريطانيين، ووالدته كانت شاعرة وكانت لهما علاقات قوية، وحصل فراح على شهادته في الآدب والفلسفة من جامعة شانديجار في الهند، ثم عاد إلى الصومال ودرس في جامعة مقديشو، ووصفت صحيفة نيويورك تايمز كاتب روائي أفريقي بأنه أهم كاتب ظهر في (الخمسة) والعشرين عامًا الماضية، وأنه من الأصوات الحيوية والمميزة في أدب الرواية الحديثة.
فاز فارح بجائزة نيوشتات الأدبية المرموقة، التي تعد أهم من جائزة نوبل في أهميتها، في عام 1998 عن روايته “أسرار”، وتفوق فارح في الفوز بهذه الجائزة على كبار الأدباء اللاتينيين جابريل جارثيا ماركيز وأوكتافيو باز، الذين فازا بجائزة نوبل، واستحق فارح أن يكون من بين المرشحين العرب لحصول جائزة نوبل في الأدب عام 2004، وعلى الرغم من الصعوبات والصراعات، فارح يقول بأن وطنه الصومال سيظل قائماً طالما أنا أكتب عنه.
إقرا المزيد: