سافانا الثقافي – بداية الحكاية: استكشاف الرواية الأولى في الصومال، في عالم الأدب والفنون حيث يمتزج الواقع بالخيال، يعتبر الأدب لبنة الأساس للغات المختلفة حول العالم وإن عانق كثير من الأدباء النجومية، فإن كثيرا منهم طواهم النسيان ورضي بهم عالم الظل. ولعلّ ما أسهم في سطوع بعض الأسماء هي مساهمتهم في نشر أدب لغتهم، مثل ديستوفسكي وتولستوي وشكسبير ومونتين وكامو وغيرهم هذا، ويعد الأدب الصومالي أدباً غنياً وسامياً، ومع ذلك لم يكن مشهورًا بالكتابة حتى السبعينيات من القرن الماضي حيث بدأت أوراقهم ترى النور وتجد الطريق معبداً نحو العالمية، ونعرض في هذا المقال تاريخ الأدب الصومالي وكيف بدأت قصة “الرواية الأولى في الصومال” وأثرها في تطور الأدب الصومالي.
الثقافة الصومالية: ازدهار الشعر وتطور الأدب
اللغة الصومالية غنية بأدبها الراقي، ويمكن القول أن واحدا من كل خمسة صوماليين هو شاعر ماهر، فالشعر كان وسيلة التواصل بين الصوماليين، ولذلك يطلق عليهم “أمة الشعر”، كما قال ذلك الرحالة البريطاني ريتشارد بارتون الذي زار شرق إفريقيا في منتصف القرن التاسع عشر؛ وذلك في كتابه “رحلتي الأولى إلى شرق إفريقيا» ذكر أن المنطقة التي يسكنها الصوماليون في شرق إفريقيا تعدّ مهدًا للشعراء، وأن الصوماليين يتنفسون شعراً ويتم الحوار بينهم بالنظم والقوافي”.
رغم ذلك، لم تكن اللغة الصومالية مشهورة بالكتابة حتى السبعينيات من القرن الماضي وغياب كتابة الحرف الصومالي أثر على حفظ الأشعار والتاريخ وحال دون ابتكار صيغ جديدة للأدب، ثم جاء الفرج في عام 1972 حيث تم تدوين الحرف الصومالي وتأسيس الأكاديمية الصومالية للعلوم والفنون التي كان من بين موظّفيها عدد من أعلام الأدب الصومالي، مثل حاج آدم أفقلوع الذي كان يتقن عدة لغات عالمية في هذا الوقت، بدأ المؤرخ الصومالي البارز جامع عمر عيسى في تدوين أشعار السيد محمد عبد الله حسن، الذي كتب شعراً يعبر عن صراعه مع الاستعمار الإنجليزي بين عامي 1901 و1920.
كما سجل المؤرخ تاريخ السيد المجاهد، أمّا الفترة الممتدة بين 1960 و1990 فكانت زاخرة بالجهود الأدبية في الصومال، حيث ظهرت دواوين شعرية وكتب تاريخية ومسرحيات شهيرة. ومع ذلك، لم تتميز الرواية الصومالية خلال هذه الفترة بمزايا النجاح المعروفة رغم أن بعض الكتاب أطلّوا علينا بقصص قصيرة تم نشرها في الصحف الصومالية وآخرون كتبوا بلغات مختلفة مثل الإنجليزية. لكن الرواية الصومالية الكاملة لم تظهر حتى إصدار رواية “مانافاي” للكاتب محمد طاهر أفرح.
فجر الرواية الصومالية: نظرة على البدايات”
الرواية الصومالية الأولى وهروب مؤلفها بين 1960-1990
رواية “مانافاي” وتعتبر هذه الرواية واحدة من أهم الروايات الصومالية. وقد توقفت طبعة الرواية في أحد السنوات بسبب هروب مؤلفها من البلاد خوفًا من قمع الحكومة العسكرية.
تناقش الرواية قضايا اجتماعية بارزة وتلقي الضوء على جوانب من المشاكل التي يعاني منها المجتمع الصومالي من خلال قصة فتاة تُدعى مانافاي تلتقي بشاب يُدعى أحمد، الذي درس في الغرب وعاد مؤخرًا إلى البلاد. تستهل الرواية بالبطل أحمد ولديه صديق يدعى كلميي، الذي كانت له وجهة نظر غريبة حول النساء ويروج لفكرة عدم الثقة بهن. يناقش الاثنان هذا الموضوع بشكل مستمر. ومن خلالهما تسلط الرواية الضوء على هذه القضية الشائكة وتظهر كيف يمكن لبعض الشباب أن يعامل الفتيات بطريقة غير لائقة وينسون دور المرأة في المجتمع، بالإضافة إلى أن هذه الفتيات هن أخوات وبنات لرجال آخرين.
تبرز هذه المشكلة الاجتماعية الكبيرة وتناقش كيف يمكن للفتيات أن يتعرضن للإغراء والاستغلال ثم يتم قطع العلاقة بهن بعد تحقيق الهدف. تشير الرواية أيضا إلى التناقض الكبير بين تصرفات بعض الشباب وتوقعاتهم من زوجاتهم المستقبليات، حيث ينتظرون أن تكون الفتاة جميلة عفيفة نشأت في بيت متدين ليطرح الكاتب تساؤلًا هامًا: هل يمكن لهؤلاء الشباب أن يجدوا الفتاة الطيبة التي يبحثون عنها بعد تصرفاتهم هذه؟ داخل الرواية يعمل جامع طجي، أبو أحمد، بشاحنته الخاصة ويسعى دومًا لكسب قوت أسرته. أما أوقات فراغه فيقضي عامّتها مع عائلته مطّلعا على حال أولاده وحاجاتهم. يمضغ القات كل مساء بينما يتحدث مع زوجته وأولاده. لكن حياته تنقلب بعد حصوله على وظيفة حكومية وانغماسه في تقديم الرشاوى ونهب المال العام.
فأصبح يُفني الوقت وهو يمضغ القات بين زملاء العمل. في الرواية، تواجه مانافاي مشاكل في اختيار زوجها وتنقسم بين الرغبات العائلية وبين ما تريده في مكان آخر، نجد جامع طجي ينجذب للفتاة التي يحبها ابنه أيضًا بالإضافة إلى ذلك، تظهر شخصية بيدن التي تعمل في استغلال الفتيات الضعيفات لصالح جامع طجي وأمثاله، تحفل الرواية بقضايا المرأة وكيف يتم استغلالهن في بعض المجتمعات بيدن نفسها عانت من المشاكل في عهد الاستعمار الإيطالي ووجدت نفسها مضطرة للعمل في الدعارة كفرصة لكسب لقمة العيش. كما تسلط الرواية الضوء على هذه القضايا الهامة في المجتمع الصومالي وغيره من المجتمعات حول العالم.
تشكل القضية التي تطرحها رواية مانافاي حجر الأساس في العديد من المجتمعات، وبشكل أخص في المجتمع الصومالي. فتُظهر الرواية كيف تصبح المرأة ضحية في مختلف الظروف في عالم يعتبر المرأة الوحيدة فريسة سهلة، ظلت بيدن ومن على حالها ذليلة في الصومال بعد رحيل الاستعمار، بدون قيمة، وذلك لمجرد عملها في منزل إيطالي، مما جعل الدعارة هي الفرصة الوحيدة المتاحة أمامها.
نظرًا لأهمية رواية “مانافاي” وتأثيرها على المجتمع الصومالي:
فقد أثارت جدلاً واسعًا في البلاد. وكانت الحكومة العسكرية الصومالية في ذلك الوقت لا تتسامح مع أي نوع من الأصوات التي تسلط الضوء على المشاكل الاجتماعية والسياسية في البلاد. لذا، قرر كاتب الرواية الهروب من البلاد خوفاً من بطش الحكومة العسكرية. كان وقع الرواية على المجتمع الصومالي كبيرًا، وأصبحت واحدة من أكثر الأعمال الأدبية تأثيراً في الثقافة الصومالية. وساعدت في زيادة الوعي حول قضايا المرأة والتحديات التي تواجهها في المجتمع الصومالي. كما ألهمت العديد من الكتاب والشعراء الصوماليين للتعبير عن آرائهم ومواجهة المشاكل الاجتماعية في أعمالهم.
بالإضافة إلى ذلك، أثارت الرواية نقاشات هامة حول قضايا النساء وحقوقهن، وأدت إلى تغيير بعض المفاهيم والتقاليد الخاطئة في المجتمع ومع ذلك، لا يزال الكثير من التحديات مستمرا وفي أمس الحاجة إلى مزيد من التوعية والتغيير في المجمل، كانت رواية “مانافاي” لبنة الزاوية في الأدب الصومالي، وساهمت في توجيه الضوء على المشاكل الاجتماعية والثقافية في البلاد، وعلى الرغم من هروب كاتبها من البلاد خوفاً من الحكومة العسكرية، إلا أن تأثير الرواية استمر وترك بصمة قوية على الثقافة الصومالية والأدب. بين عامي 1960 و1990، تمت كتابة روايات أخرى باللغة الصومالية مثل رواية (أيان درن)، إضافة إلى نشر قصص قصيرة في الصحف الشهيرة في البلاد في ذلك الوقت.
كما اشتهر الأدب الصومالي بتنوعه وثراءه الممتد عبر قرون من التاريخ ليضم كلا من:
الشعر والقصص الشعبية والروايات والمسرحيات:
- الشعر: يعتبر الشعر جزءاً أساسياً من الثقافة الصومالية، حيث يمثل أحد أقدم أشكال التعبير الأدبي ويتفرّع ليحوي مواضيع شتى كالغزل، والسياسة، والحكمة والحروب، ويتميز الشعراء الصوماليون بنقل تجاربهم وعواطفهم وآرائهم عبر القصائد الشعرية.
- القصص الشعبية: تعتبر القصص الشعبية جزءاً مهماً من التراث الثقافي الصومالي وتنقل شفاها عبر الأجيال، وتتفرع إلى: الأساطير، والحكايات الخرافية والقصص البطولية وتعكس القصص الشعبية في مجملها قيم المجتمع الصومالي وتعليماته الأخلاقية.
- الروايات: بدأت الروايات تظهر في الأدب الصومالي بشكل أكبر مع تطور الكتابة والطباعة، ومن بين الروائيين الصوماليين المشهورين نذكر نور الدين فرح، الذي يعتبر واحداً من أبرز الأدباء الصوماليين الحاصلين على العديد من الجوائز الأدبية على مستوى العالم.
- المسرحيات: على الرغم من أن المسرح ليس جزءًا تقليديّاً من الثقافة الصومالية، إلا أنه بدأ يكتسب شعبية خلال القرن العشرين. وتتناول المسرحيات الصومالية موضوعات مثل السياسة، والمجتمع والتاريخ. و يعدّالكاتب الصومالي المعروف محمد عبد الله حسن واحداً من أوائل الكتّاب الذين تناولوا المسرح الصومالي.
وختاما، نقول إن تطور الأدب الصومالي وظهور الرواية الصومالية الأولى يؤكد أهمية الأدب والفنون في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب وتقديم اللغات والثقافات المتنوعة بشكل أكثر إشراقًا وتألقًا، كما أن الأدب الصومالي تأثر بالتيارات الخارجية، مثل الأدب العربي والإسلامي، إلا أنّه استطاع ورغم كل شيء الحفاظ على هويته الثقافية الفريدة.
تم نشر هذا المقال في صفحة الكاتب على الفيس بوك عام 2013م وأعيد نشره عام 2023م في موقع سافانا
إقرا المزيد: