سافانا الثقافي- “في رحاب حجي جابر وعالمه الروائي” إن لقائي مع الكاتب والروائي حجي جابر في مَعْرِض جدة للكتاب عام 2019 كان من بين هذه الفرص الممتازة التي شجعتني على الاستمرار في رحلتي ككاتب، ولهذا فهو يستحق كل الشكر مني فللوهلة الأولى أيقنت أنه شخصية لطيفة ومتواضعة للغاية، خاصة حين راح يتحدث بوفاء وشغف عن مدينة جدة عروس البحر الأحمر، التي أثرت على حياته بشكل كبير وتأثرت بها ذاكرته كما يقول.
في ذاك اللقاء تحدث جابر عن تجربته الأدبية، وعن مشاركته في المعارض العربية والعالمية، كما أشار إلى أهمية الرواية كوسيلة للتواصل ونشر الوعي. وقد أثنى الحضور على رواياته التي تتناول موضوعات مختلفة ومعاصرة، وذلك بسبب تسليطها الضوء على جوانب مختلفة من حياة الإنسان، كالهجرة واللجوء والغربة، وفي رواياته الفريدة والمميزة، استطاع حجي جابر إبراز جوانب مختلفة من تجربته. فقد تمحورت أعمالهُ حول موضوعاتٍ عدة تشمل التحولات الثقافية، والهوية، والانتماء، بالإضافة إلى المعاناة والانكسارات التي يتعرض لها المهاجرون.
من هو حجي جابر
ولد في مدينة مصوع الساحلية في إريتريا عام 1976، ثم انتقل مع أسرته إلى جدة، السعودية، بسبب القصف الإثيوبي لإريتريا وقتها. حصل على شهادة البكالوريوس في علوم الاتصالات، وعمل صحفياً لعدد من الصحف السعودية ومراسلاً لبعض الفضائيات الأوربية منها قناة «دوبتشه فيلله» في السعودية. ويعمل حالياً صحفياً في قناة الجزيرة القطرية.
بدأت مسيرة جابر في الكتابة والأدب عندما عاد إلى وطنه «إريتريا» بعد أكثر من 30 عاما من الاغتراب، حيث أصبحت لديه حاجة ماسة للكتابة عندما وجد فيها السبيل الوحيد للبوح والشكوى، ومحاولة الإجابة عن تساؤلات تراوده حول هويته. فكتب أول رواياته «سمراويت» والتي صدرت عن المركز الثقافي العربي في عام 2012، كما حازت على جائزة الشارقة للإبداع العربي في العام نفسه.
وبعدها بعام، صدرت روايته الثانية «مرسى فاطمة» وكانت تجربته الأولى الذي يكتب فيها عن أماكن لم يعرفها من قبل، وعن عالم من الجريمة لم يسبق له أن سبر أغواره، وهو عصابات الإتجار بالبشر، حيث أنه في روايته الأولى كتب عن أماكن كان يعرفها، أما في روايته هذه اختلف الأمر، مما اضطره للقيام بالكثير من البحث والتقصي من أجل جمع المعلومات واحتاج إلى الاستماع لشهادات عدد كبير من المجندين والضحايا السابقين، وقد ساعده عمله كصحفي في تلك المهمة حيث أكسبته تلك المهنة الأدوات اللازمة للبحث والاستقصاء.
وفي عام 2015، صدرت روايته الثالثة «لعبة المغزل» التي ترشحت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. وفي عام 2018، نشر جابر روايته الرابعة «رغوة سوداء» التي نالت جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الخامسة عن فئة الروايات المنشورة.
وصدرت روايته الجديدة «رامبو الحبشي» عن دار منشورات تكوين، وهي رواية تتحدث عن حياة الشاعر الفرنسي آرثر رامبو في الحبشة. التي يسعى فيها جابر لإعادة الاعتبار لامرأة هررية رافقت رامبو في سنواته الأخير في الحبشة، إلا أن الشاعر الفرنسي لم يذكر محبوبته ولا مرة في رسائله الكثيرة إلى أمه. تُرجمت بعض من أعمال جابر إلى لغات عدّة مثل الإنجليزية والإيطالية والفارسية والعبرية.
تحديات الإنسان الإريتري في روايات حجي جابر
يبدو من روايات حجي جابر أنه يحاول تسليط الضوء على قضايا إنسانية يعانيها الشعب الإريتري، فقد واجه الإنسان الإريتري تحديات كثيرة، وهذا ما ظهر بوضوح في أعماله الأدبية، حيث تناول الكاتب قضايا الحياة في المخيمات، وصعوبات الحياة في البلد الأم وفي الدول التي ينتقلون إليها بحثاً عن الحياة الكريمة.
كما تناول مشاكل الاستقطاب السياسي، والأزمات الاقتصادية، وعلى الرغم من كل هذه المعوقات، فإن الإنسان الإريتري لم يفقد الأمل، حيث أظهر في رواياته مدى قوة الشخصية الإريترية وثباتها في مواجهة الأزمات التي يعالجها كل يوم وهذا ما يجعل قراءة رواياته ملهمة للجميع، ودافعة إلى التفاؤل والأمل في تحقيق مستقبل أفضل.
جابر في سرده الروائي الرائع يتحدث عن تجرِبة الارتياد وما يصاحبها من صراع داخلي، فيتطرق من خلال ذلك النزاع إلى موضوعات مهمة ومعقدة مثل الهُوِيَّة والتمازج بين الثقافات، ويسعى لمحاكاة تجرِبة الإنسان الذي يجد نفسه في عالم غريب عنه حيث يعيش في أجواء غير مألوفة بالنسبة له، ويحاول رغم ذلك التأقلم والاندماج في الثقافة الجديدة، مع محاولته الاحتفاظ بأصالته وهويته الأصلية.
كما يقدم جابر من خلال رواياته وصفًا متقنًا ودقيقًا للواقع بكل تفاصيله وآلامه إلى القارئ، معتمداً على حرية تعبيرية متناهية في السرد، يحرص من خلالها على استكشاف المفارقات والتباينات الاجتماعية والثقافية في هذه المنطقة الغنية بالإرث التاريخي والحضاري، ويضع جابر بصمته في الأدب العربي المعاصر بأعماله الروائية، التي تستحق القراءة والتأمل حيث يعد كاتباً موهوباً نجح إلى حد بعيد في أن يستخدم اللغة العربية بمهارة فائقة واستطاع أن يحقق نجاحاً كبيراً في هذا الباب من أبواب الأدب العربي.
الموضوعات والمشاعر المتناولة في روايات حجي جابر
حفلت رواياته بمشاعر الشخصيات الرئيسة وما يعايشونه من صراعات نفسية في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها، كما يوضح من خلالها قيمة التضحية من أجل الوطن، وبحكم أنه يكتب بعيدا عن وطنه الأم فإن أثر هذا يظهر على شخصياته التي تبحث عن معاني الانتماء والهوية الثقافية في عالم يشهد زوال الحدود وتصاعد التعصب العرقي، في روايته الأولى “سمراويت” نقرأ قصة المهاجر الذي يزور أرض أجداده ويتحدث عن التاريخ والحب والنضال الوطني المرير.
تتكرر الفكرة نفسها في “مرسى فاطمة” حيث تركز الرواية على رحلة تيه لرجل إريتري في محاولة للعثور على محبوبته، وهو يتعرض للعديد من الإحباطات ويشعر البطل في قصة “مرسى فاطمة” بالحزن الشديد بسبب تخلي حبيبته عنه، وتمثل هذه الموضوعات والمشاعر تمثيلًا دقيقًا لمجتمع إرتريا وأشخاصها وعاداتها وتقاليدها، مما يجعل روايات جابر غنية بالتفاصيل والعمق النفسي.
رحلة تشكل الشخصية الرئيسة في روايات حجي جابر
تُعدُّ رحلة تشكل الشخصية الرئيسة من أهمِّ محاور روايات حجي جابر، ففيها يتتبع المؤلف شخصيته الرئيسة، التي غالباً ما تكون إريترية، فيصف جوانب حياتها المختلفة، ويقوم بعرض تفاصيل دقيقة ربما تكون فيها الشخصية عرضة للتشظي والتفتت كما يكشف جابر عن العوامل التي قد تؤثِّر في تحولاتها النفسية، ويركِّز في أعماله على الفردية وتحقيق الذات، وبالتالي تكشف رواياته عن رحلة ممتعة تتم في إطار الواقعية والتجريد، ويتجلى جليًّا أن جابر ينظر للفردية بشكل مركزي في رواياته، ويعالجها بشكل هادف وجدي.
يشكل أدب جابر محطة أساسية في تسلسل تطور الأدب الإريتري الحديث، وقد صاغ الكاتب رواياته بما يظهر نضج الروائي في صورة أدبية جديدة. ومن هذه الناحية، يمكن اعتبار كتابات جابر على أنها “أدب الاختبار الذاتي”، ويمكنني القول أنها كثيرة هي الجمل التي يمكن اقتباسها من روايات حجي جابر والتي تكشف عن تنوع موضوعاته ومهارته في السرد الأدبي، وتتميز هذه الاقتباسات بأنها تعبر عن خبرة الإنسان في مواجهة تجارب حياتية مريرة.
الهجرة واللجوء في روايات حجي جابر
فقد تناولت رواياته بشكل كبير تلك الموضوعات، والصعوبات التي تواجه المهاجرين واللاجئين. فعلى سبيل المثال يتناول الكاتب في روايته “رغوة سوداء” حياة الفارين من الحرب والعنف في بلدهم، ورحلتهم الطويلة والمليئة بالمخاطر في البحث عن ملاذ آمن، كما يظهر في رواياته التماس الإنسانية وتأكيده على أن اللاجئين والمهاجرين هم أشخاص محرومون من الإقامة والاستقرار لذا يجب أن تُسدّد حقوقهم وتكون معاملتهم معتمدة على الإنصاف.
خاتمة
خلاصة القول: نستطيع أن نجزم أنه تتميز أعمال حجي جابر بأنها تنقل أحداثاً مؤثرة وعاطفية لشعبه الإريتري الذي يعاني أزمات وتشريدا في بقاع العالم. وهذا ما يمنح رواياته القدرة على اختراق نفوس القراء وإيصال رسالة مؤثرة عن الحياة، ومعاني الحرمان والحب والانتماء إلى وطنهم المنسي، وتحقق رواياته شهرة واسعة في الأوساط الأدبية والثقافية لما تحويه من قيمة أدبية وإنسانية تستحق الاهتمام والدراسة.
إقرا المزيد:
- من مقديشو إلى القاهرة وإن طال السفر
- ليلى أبو العلا تجسد روح السودان في روايتها الجديدة روح النهر
- حوار ملهم مع الروائية ليلى سليماني