سافانا الثقافي – في هذا المقال، سنناقش هوية الصومال وكيف يتأثر التراث والتنوع الثقافي في البلاد بمرور الزمن. الصومال، واقعة في القرن الإفريقي، تتميز بتاريخها العريق وثقافتها الغنية، والتي تعكس تطور البلاد على مر العصور. من خلال استعراض تاريخ الصومال والتأثيرات الخارجية على هويتها، سنتعرف على درجة التنوع الثقافي والاجتماعي الذي يميزها، وكذلك التحديات التي تواجهها الصومال في الحفاظ على هويتها الوطنية في ظل ظروف معقدة.
هذه الرحلة التي غذّاها وأقام أود ترائبها, وأمكن صلائبها أنهام أيادي الأكرمين من الأوضياء: الأدباء والنقاد والمثقفين والفنانين العرب, أحياها أرباب مناهل عبور الفكر والوعي الباسقين الشاهقين من كل البلدان العربية, لهم من رايات ثنايات الشكر أجزلها, ذاكرين لهم الفضل وحامدين.. قالها ولواعج التوديع راياتها مرفرفة ترتفع غير بعيد. إذ قاربت أشعاع شمسه المغيب وقمر مساريه يلملم أضواءه للأفلة, ودنت عصاهُ أن تُلقي حالها في حال سبيلها وتسعى, كما دنت راحلتهُ أن تُنيخ ركابها وتحل الخرج عن خراجها. فما من شيء كان له أمر المبتدأ إلا سيمضي إلى المنتهى.
وها هو اليوم يقول: ليلة البارحة اكترينا خانا وسط العاصمة «مقديشو» ولما قبض الشاب الأجدل الكارى أجرته, توجهنا لمقابلة الصوماليين وجمع أقوالهم في الحضارة وما كان في أقدم الأزمنة, حكوا لنا عن دخول اللغة والإسلام والمدنية وكذلك تطرقوا للرواية والشعر والقصة.. هل قلت القصة, ليتني قلتها وقصصُا مفجعة؟!
في هذا الجزء تقرأون: كيف أن القضية قضية صمود هوية, ولغة عربية تمسك بلوائها جيل من الشباب الصومالي, رغم قلة الموارد والحالة الاقتصادية, أبا هؤلاء الأبيين العصيين المبدعين سوى أن تكون عربية قصائدهم رواياتهم عربية وقصصهم عربية, رغم كل محاولات القسر والقهر تغيير لسان الحال ومآل حضارتهم, وتمكين الأضداد لغايات جمة, غير أن هؤلاء الأشاوس أبو وهبُّو منادين ومجددين أن لا تسلك ألسنتهم سوى من مناهيل الحروف العربية.. في هذا الجزء قراء ( الجزيرة الثقافية) سنحيطكم من كأس الصومال نخب العروبة نتطعمها برحيق مختوم عربي رغم المرارة.
كيف نقرأ تاريخ الصومال
استهللنا في نشرنا هذا الملف, رقيم ودهاق الصومال, تساؤل طرحه الباحث والكاتب «عمر علي باشا» وهو كيف نقرا تاريخ الصومال؟ لافتًا إلى أن اهتمامات المؤرّخين كانت من قبل تصب في سرد الوقائع التاريخية ومتابعة الأحداث، لكن ابن خلدون رفض هذا النوع من القراءة التاريخية، وفي مقدمته يتجاوز ابن خلدون أسلوب الجرح والتعديل في رواية الحديث، أو الخبر عند الفقهاء والإخباريين والمحدثين، ليرتكز أساسا على مبدأ مطابقة الخبر لأحوال الاجتماع البشري، كما يتجاوز موضوع الخبر في التاريخ لتلك الصور التي شهدتها الكتابة التاريخية العربية. إذ يهمنا في قراءة التاريخ أن نفهم الماضي وذلك في سياقنا الواقعي ولا يمكن أن نتجرد من الواقع لدراسة التاريخ، لذلك فالواقع هو النقطة الرئيسية في قراءة التاريخ، وبالتالي لكي نفهم تاريخ الصومال علينا أن نعتمد منهجا شموليا لا يتوقف عند حقبة معينة، بل نحلل الحقب ونربط بعضها البعض لنصل إلى تلك الأفكار وتلك الظروف التي أسست واقعنا الصومالي الآن.
الصومال القديم
أصل الصوماليون
وأضاف باشا: يستدل مؤلف كتاب تاريخ اللغة والمجتمع الصومالي د. عبد الله عمر منصور، بحوث علماء الآثار والإثنيات لتحديد أصل الصوماليون ومن أين جاءوا؟ ويشير إلى أن معظم علماء الآثار والإثنية ذهبوا بان أصل الصوماليين من الحام وينتمون في اللغة إلى أسرة الكوشيتية.
ويذهب علماء الآثار والتاريخ إلى أن رحلة الحاميين كانت مكونة من ثلاثة وهم مصريون والبربر والكوشيت، إذ بدأت رحلتهم من العراق المعروفة تاريخيا ب مسوبوتاميا Mesopotamia مروراً بسيناء وصولا إلى منطقة القرن الإفريقي. يشترك الحاميون بعدة صفات، أولها البنية الجسدية، الطول والسمر، هم معظمهم جماعات رعوية، الفن وعشق الشعر، الشراسة في القتال، أشكال الرقص المكونة من الصفق وضرب الأرجل بالأرض، وغيرها من الصفات الثقافية.
الحضارات القديمة
وأكد الكاتب والباحث عمر علي باشا: كانت علاقة الصوماليين بالحضارات القديمة وثيقة ومتقدمة، وبالتالي سنأخذ سريعاً ثلاثة حضارات ارتبطت بالحضارة الصومالية بشكل كبير، وهي الحضارة المصرية القديمة والحضارة العراقية القديمة وحضارة الحمير.
ارتبط المصريين القدماء بالأراضي الصومالية عن طريق التبادل التجاري، وظهرت في القرن 19حقيقة الأراضي المعروف بالـ بونت ويقصد بها الأراضي الصومالية. وهناك صورة قديمة تم نقشها في الجدار المعروف بـ الدير البحري ويوجد فيها تفاصيل رحلة ملكة حتشبسوت، حيث قدمت السفن المصرية إلى الأراضي الصومالية، ويختلف في الحقيقة مكان شراعهم ولكن المتفق أنها كانت في السواحل الشمال الشرقي في الصومال.
ومن الناحية الثانية لم تكن علاقة الصوماليين مختصرة فقط بالمصريين، بل هناك علاقة حضارية وطيدة بين الحضارة العراقية وبين الصوماليين، ويظهر ذلك في أصل المواشي التي يرعها الصوماليون باعتبارها أهم اقتصاد للصوماليين الرحل.
وفي الجانب الآخر وخاصة في مدينة مقديشو يذهب بعض المؤرخين والإنثربولوجيون أن مملكة حمير وصلت إلى مدينة مقديشو، حيث كان السلطان الأسعد الحميري يحكم مدينة مقديشو حسب بعض المراجع الموجودة في مدينة مقديشو.
الإسلام وأثره
كما أكد «باشا»: اختلاف المؤرّخين حول تاريخ دخول الإسلام في الصومال. فهناك أربعة آراء مهمة ترجع فترة دخول الإسلام إلى الصومال في فترات مختلفة. ومن أشهرها الهجرة الأولى والتي كانت بقيادة جعفر بن أبي طالب ويقال أن جعفر نزل من السواحل الشمال الغربي من الصومال، ومنها انتشر الإسلام في الصومال. وهناك اتجاه آخر يرى أن دخول الإسلام في الصومال كانت في عهد الخلفاء الراشدين وخاصة في هجرة المخزوميين، إذ استوطن بني المخزون في هذه المدن الصومالية ومنها انتشر الإسلام. وعلى العكس من ذلك اتجاه يرى دخول الإسلام كانت في فترة الأمويين وخاصة خلافة عبد الملك بن مروان.
وزاد: كل هذه الاتجاهات المختلفة ربما تشير إلى الحقبة المختلفة التي وصل بها الإسلام إلى المناطق الصومالية المختلفة، والمهم أن الإسلام ترك أثراً كبيراً على المجتمع الصومالي، ودخول الإسلام في الأراضي الصومالية يعتبر من أكبر التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حدثت في الصومال.
السلطنات الإسلامية والتمدن الإسلامي
وقال الكاتب عمر باشا: وبعد أسس المسلمون نظامًا مدنيًا متقدمًا من ناحية التنظيم ومن ناحية المعمار، وتلاحظ ذلك في المدن الساحلية والمراكز السياسية، مثل مقديشو باعتبارها مركزا تجاريا ومدنية ميتروبوليتانية، وكذلك مدينة زيلع باعتبارها مدينة كوسموبوليتانية. كما تطور التمدن الإسلامي في العصور الوسطى وظهرت الأمة الإسلامية كمجتمع من الشبكات، تغذيها دوائر تواصل مشتركة في المركز وبيروقراطيات وتنظيمات اجتماعية. وقد لوحظ ذلك في المدن الإساسية التي أسسها المسلمون في الشرق إفريقيا مثل هرر, زيلع, مقديشو.
إذ ظهرت في تلك المدن سلطنات إسلامية معروفة، وذلك نتيجة التقدم المدني والعسكري، أهمها سلطنة عدل وسلطنة افات. وللأسف ظل المؤرخون والجغرافيين العرب يجهلون جغرافية الممالك الإسلامية الصومالية المزدهرة، حتى جاء شيخ المؤرخين المقريزي 846هـ فكان أول مؤرخ ذكر أخبار صحيحة من الممالك الإسلامية الصومالية وتاريخها في رسالته المسماة «الإلمام بمن في أرض الحبشة من ملوك الإسلام» وذلك في أثناء إقامته بمكة المكرمة عام 839هـ – 1434م.
حركة الشعر والرواية والقصة
وفي جانب الإبداع الشعري والسرد, وصف الباحث والكاتب عبدالوهاب محمد عثمان: أن الحديث عن الأدب العربي في الصومال مهمة لا تقل صعوبة من وصف حال عمال أكثر المناجم بؤسًا في العالم، إذ إن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها العالم العربي, بأنه يمكن أن يأتي باحث أو كاتب صومالي ليتحدث عن الشعر العربي أو الرواية العربية في الصومال بهذه السهولة دون مقدمات وتبريرات، ودون أن يتطرق إلى مسألة هي في الحقيقة جوهر الموضوع، ألا وهي هل الصومال عربية؟
مضيفاً أن هناك نقاشًا قديمًا لم يحسم أمره بعد فيما يخص عروبة الصومال, والنقاش حول عروبة الصومال نسباً. فالحقيقة التي لا مناص منها أن اللغة العربية في الصومال غير مستخدمة إلا عند النخب المهتمة بها، وفي حالات خاصة. إذ يربط كثير من الصوماليين تقهقر اللغة الصومالية بالأوضاع الرسمية سابقًا. حاولت أن تقتل اللغة العربية خنقاً في بداية سبعينات القرن المنصرم، وإحياء اللغة الصومالية لأغراض قد تكون سياسية أو اجتماعية، ويمكن الحديث عنها بشكل منفصل، لكن الحاصل هو أن اللغة العربية لا زالت ضعيفة أو تلفظ آخر أنفاسها ما لم تحدث معجزة تحييها من مرقدها، والسؤال الذي يطرح نفسه هو, هل الشارع الصومالي يرحب بإحياء اللغة العربية؟
هل شعراء الصومال لا يجدون متذوقين لهم؟
وفصل قائلاً: مع تسليمي بإمكانية النظرية التي تقول بأن بعض القبائل الصومالية هي من أصول عربية، أو تلك الأسطورة التي تقول بأن هناك قبائل أو شخصيات عربية أتت إلى الصومال من ناحية اليمن، إلا أن لغة هذه القبائل الآن هي لغة صومالية رغم تأثرها الواضح باللغة العربية، ورغم ما يرتبط الصومال بالعالم العربي بحبل الجامعة العربية، غير أنه لا يوجد في الحقيقة إقبال كبير على الأدب العربي، فالفنون بشكل عام تحتاج إلى ذائقة جيدة تقوم باحتوائها، وما لم يجد الشاعر الصومالي متذوقين ومستمعين, فإنه غير قابل للتطور أو حتى غير قابل لاكتشاف شاعريته، إذ إن الشريحة الوحيدة التي تشجع نمو اللغة العربية في الصومال هي شريحة العلماء ورجال الدين، وهذا بحد ذاته منذر بزوال الإبداع في الشعر العربي ولسبب واضح جدا وهو أن العلماء لا يهتمون بالجانب الإبداعي في الفنون، ولا يؤمنون بفكرة أن الفن هو للفن، إنما اهتمامهم كله منصب فيما يخدم الدين والدعوة إلى الله، ونشر العلوم الشرعية، وما يصب في هذا الاتجاه، وهذا بحد ذاته مطلوب وهي حركة معروفة المبادئ والرؤى في العالم العربي، لكن ذلك لم يخدم الأدب العربي ولا أظنه سيخدم, ما لم يوجد أدباء لا يريدون في سعيهم إلا إرضاء الأدب والفن، منطلقين من فكرة الفن من أجل الفن.
الشباب اختاروا تحدي الصعوبات والإسهام
في الأدب العربي
و في معرض إجابته عن محور عنون له بتساؤل هل هناك أدب عربي في الصومال؟ قال الباحث والكاتب عبدالوهاب محمد عثمان: بشكل مختصر نعم، ورغم هذه الحال التي تحدثت عنها إلا أن هناك من الشباب من تحدى هذه الصعوبات والتحديات واختار لنفسه أن يكون له إسهامات في الأدب العربي، بل هناك في تاريخ الصومال القريب بعض الظواهر المهتمة بالأدب العربي، إلا أن ذلك لم يصل إلى مرحلة طباعة الروايات والدواوين لأسباب قد لا ترتبط بالحركة الأدبية أكثر من ارتباطها بالحالة المادية أو البيئة الصومالية التي لا ترى في الكتب والحركة الثقافية أهمية عظمى، وتفسير ذلك في نظري أن البيئة الصومالية لا تزال بدائية إلى حد ما مع وجود بوادر النهضة، إلا أن ذلك غير كاف في الوقت الحالي على الأقل، ولأسباب أخرى قد تكون شخصية.
وزاد: وعندما سألت الشاعر الصومالي محمد الأمين محمد الهادي وهو صاحب أكبر تجربة شعرية في الصومال ممن قابلتهم حتى الآن، عندما سألته لماذا لم تنشر شعرك حتى الآن في ديوان؟ أخبرني بأن الدنيا ومشاغل الحياة صرفته عن الشعر، أدركت أن انشغالات الحياة الصعبة كفيلة أن تصرف المبدعين بما يكفي وتشغل المرء عن نفسه، لكن في قراءتي الخاصة أعتقد أن عدم وجود البيئة المتذوقة للشعر أكبر عوائق ازدهار الشعر العربي في الصومال، فما الغرض من أن ينشر المرء ديواناً ثم لا يقرؤه إلا الأصدقاء والزملاء ، لا يوجد على حد علمي جمهور مهتم بالأدب العربي دع عنك وجود النقاد والباحثين المهتمين بمجال الشعر ، كما أن الجامعات الصومالية رغم أنها تشهد ازدهارا غير مسبوق في هذه الفترة إلا أن الأدب العربي ليس في قائمة اهتماماتها وإن اهتم بعض الجامعات باللغة العربية، إلا أن ذلك الاهتمام كما وضحت سابقاً ليس اهتماماً بالأدب العربي من حيث إنه أدب، بل لاعتبارات أخرى.
نبوغ الشعراء كان هناك
ويبقى أن أشير إلى أن التجارب الموجودة لدينا حتى الآن هي تجارب نمت في بيئة غير البيئة الصومالية كتجربة الروائي محمد ديرية صاحب كتاب «إلى كاراكاس بلا عودة» والذي نشأ في الخبر في السعودية، وتجربة الشاعر محمد محمود الذي قضى فترة من حياته في الإمارات، والروائية الصومالية زهرة مرسل صاحبة كتاب «أميرة مع وقف التنفيذ» وكتاب «آجوران» والتي لا تزال تعيش في القاهرة، وصاحبة كتاب «مشاهد» الروائية والشاعرة الصومالية سعدية عبد الله شيرة والتي كانت تعيش فترة في القاهرة وأخرى في السعودية ولا تزال، والكاتبة الأديبة رحمة شكري التي قضت فترة كبيرة من حياتها في الحجاز، وغيرها من التجارب الصومالية التي نمت وتشكلت في بيئة غير تلك التي وصفتها آنفا.
وتابع: أما الأدباء الصوماليون المساهمون في اللغة العربية والذين تشكلوا مع البيئة الصومالية أولهم الأستاذ والشاعر الكبير محمد الأمين محمد الهادي، ورغم أنه قضى معظم حياته خارج البلاد إلا أن نبوغه الشعري كان في الصومال، وهذا ما يفسر ارتباطه الوثيق بالأحداث المصيرية في الصومال كقصيدته المشهورة «يا سيدي يا سمو الروح عن طيني», وكذلك تجربة الكاتب الصومالي حسن محمود قرني صاحب كتاب «جنوباً ما وراء السافانا» وهذا لا يعني أن التجارب الصومالية المتأثرة بالمنفى غير مرتبطة بالواقع الصومالي، بالعكس، إن النَفس الصومالي موجود حتى في تلك المواهب التي نمت خارجها، فالصومال كما يبدو ليس أرضا بعينها، إنها روح في قلوب شعرائها وأدبائها، حيث ما حلّوا، حتى وإن كانت تجربتهم الأدبية باللغة الإنجليزية مثل الروائي الصومالي العالمي الشهير نور الدين فارح، لكن التجربة الصومالية التي نمت في البيئة الصومالية تعتريها الكثير من الشوائب التي تجاوزتها التجربة الصومالية التي نمت خارج الصومال، وهذا لأسباب مفهومة، كما يجدر القول إن التجربة الأدبية خارج البيئة الصومالية غير خالية من الشوائب هي الأخرى، لكنها تجاوزت تلك المرحلة الأولية، بل إن بعضها وصل إلى مراحل متقدمة بفضل الظروف البيئية رغم أني أميل إلى تأجيل الحركة النقدية في الوقت الحالي مع ضرورتها، أو بالأحرى التعامل مع الأدباء بشكل ألطف من التجارب الأخرى، فلا يمكن على سبيل المثال أن ننتقد السينما العربية بنفس المعايير التي ننتقد بها السينما الأمريكية ، أو أن ننتقد منتخبات العالم العربي بنفس المعايير التي ننتقد بها أشهر المنتخبات الأوربية.
«الإعلام الجديد» جذب ما يستحق القراءة
وبيَّن «عثمان» إن المتنفس الوحيد اليوم للأدباء الصوماليين هو الإنترنت «مواقع التواصل الاجتماعي» بالتحديد. هناك نسبة كبيرة جداً من الصوماليين الذين يعيشون في البلدان العربية، وهذه النسبة ليست بالضرورة أن تكون كلها من أصحاب الذائقة الأدبية، أو المهتمين بالأدب العربي، وكثير منهم يحمل صفات البيئة التي تشكل معها، ورغم ذلك نجد في مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً من التجارب والمحاولات المتواضعة في معظمها إذا أردت أن أصف الوضع كما هو، لكن الرغبة في الأمر بحد ذاته يوشك أن يكون مثمراً.
والخلاصة هي أن هناك ما يستحق القراءة ويجلب المتعة للقارئ العربي في التجربة الأدبية العربية الصومالية، وأنا هنا أحرص أن ألحق صفة العروبة بعد كل مرة أذكر فيها الأدب في هذا السياق لأن هناك في الثقافة الصومالية أدب خاص باللغة الصومالية، وله ملامحه الخاصة ولغته الخاصة وطبيعته الخاصة وهم في الحقيقة مهتمون به أكثر من أي شيء آخر، فهل يمكن أن نقول بأن الأدب العربي هو ضيف في الثقافة الصومالية؟!
بالطبع نعم، إن الثقافة الصومالية رغم ارتباطها الشديد بالثقافة العربية إلا أنها ثقافة مختلفة تماما عن الثقافة العربية، ويمكن أن ينظر إلى التجربة الأدبية العربية في الصومال بنفس العيون التي ننظر فيها إلى تجربة السنغاليين في الشعر العربي، أو الإرتريين، ورغم ذلك ليس من الجيد أن أترك القراء دون أن أطرح بعض النماذج التي أتحدث عنها وسأحاول أن أطرح بعض الأشعار التي أظن أنها ستخلق شيئاً من الدهشة لا سيّما بعد هذا الحديث عن الظروف الراهنة، أما التجربة الروائية والسردية فكل تلك الكتب التي ذكرتها آنفاً هي روايات وسرديات صومالية يمكن أن تكون مثالا للأدب العربي الصومالي.
لدي تجربة شخصية في الشعر العربي، وهناك كثير من أصدقائي الشعراء الذين يمتلكون تجربة يستحق الاحترام ، لكنني سأستمح نفسي وإياهم وأقدم نماذج من شعر صديقنا محمد عبد الرحمن محمود الملقب بمحمد الشاعر:
أدري بأن البحر أغرق بحره
والسندباد الحر أصبح لاجي
ما زلت ألمحني بعيدا هاهنا
أرعى ببال الشوق سرب نعاج
لن أدمن المنفى غيابي ساعة
وأعود بعد هنيهة أدراجي
سأفاجئ الدنيا ببعض محبتي
أسمى المحبة ما يكون مفاجي
ويقول أخرى:
أصطلي بالرياح حد انطفائي
وأواري الآهات حد التفشي
باهت اللون في مرايا القوافي
غايتي أن أعيد بالشعر نقشي
ويح دهري لقد رآني ذبيحا
ذات حلم وما فداني بكبش
«صحيفة الجزيرة الثقافية» – محمد هليل الرويلي:
برنامج (رقيم ودهاق أوطاننا العربية), المنشورة منذ العامين في ملحق ثقافية الجزيرة