سافانا الأدب والفنسافانا مختاراتسافانا مقالات الرأى

الأدب الإفريقي المنسي تراث مُهمل

سافانا الثقافي – لم يكن الأدب الإفريقي معروفًا في العالم ولم يتم تداوله حتى عام 1896، حيث أن أوجست سيدل الألماني قام بجهد تاريخي ومضنٍ لجمع الألوان المختلفة من هذا الأدب وجعلها متاحة في شكل مختارات كبيرة من الأدب الشفوي، وكتب كتاباً بعنوان “قصص الإفريقيين وحكاياتهم” ودعا القارئ الأوروبي فيه إلى التفكير بالإفريقي المتوحش وتصوره وهو يعرّف نفسه بشكلٍ شعري، مثل أي إنسان آخر، وأصبح بذلك متاحًا الانطلاق في التجارب الأولية في عمليات البحث والتحليل حول أدبيات وسير شعوب الأفارقة التي كانت في عقل الإنسان الأبيض عبارة عن كائنات ذات مكانة أقل وجودة للتسلية والترفيه.

الأدب الإفريقي المنسي تراث مُهمل

الأدب الإفريقي لديه إرث عريق وتاريخي، حيث عاش لقرون طويلة قبل تسجيل الأحداث الشفوية التي حدثت، ولم يتم توثيقه إلا بكميات قليلة، وكثرة اللغات المحلية غير المكتوبة وصعوبة جمعها وتدوينها كانت تحدًا كبيرًا للإفريقيين، الذين عانوا من الأمية والاستعمار والمرض والفقر، ولم يكن لديهم الوقت أو الطاقة للاهتمام بما يُعد ترفيهًا في ظل المشاكل الأساسية التي تواجههم في الحياة.

وفي الحقبة الإمبريالية، قام المستعمر الأوروبي بفرض تعليم لغته على البلاد، وبسبب التنوع الغني للواقع، تمكنت ثلاث لغات أساسية، وهي الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية، من السيطرة على فكرة الكتابة في القارة الأفريقية، وأصبحت المسؤولة عن التعبير الأدبي، ومع ذلك لا يمكن إنكار وجود محاولات فردية للكتابة باللغات اللاتينية والهولندية والألمانية والإسبانية، ولكنها تبقى بشكل عام غير مستقلة وقيمتها الأدبية والفنية ضعيفة.

في بداية التطور الأدبي الفعلي في أفريقيا، واجهت اللغات المستوردة منافسة بالنسبة للغات الأخرى، مثل السواحيلية في الشرق والهوسا في الغرب، ولغات محلية أخرى التي قد لا تكون لها أبجدية معروفة بعد. ومع ذلك، لم تدم هذه المنافسة طويلًا، حيث أصبحت سهولة الكتابة والنشر عبر أوروبا، بالإضافة إلى التنصير وانصراف المهتمين والنقاد الأدباء الإفريقيين إلى الكتابة بلغة معروفة لهم، عوامل حاسمة في ترسيخ هذه الاتجاهات.

الأدب الإفريقي المنسي تراث مُهمل
الأدب الإفريقي المنسي تراث مُهمل

بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كقوتين رئيسيتين في عالم ما قبل الحرب الباردة، مما أدى إلى تقويض سياسة الاستعمار الأوروبية وتشجيع الحركات الوطنية على تحرير أنفسها من الهيمنة الأوروبية، وقد نمت ثورة الحرية في إفريقيا بأشكالها العنيفة والسلمية بفضل الإبداع الأدبي الذي ازدهر وحظي بموافقة الدارسين الأمريكيين بصفة خاصة بسبب عدة أسباب، ويقول الكاتب والباحث د. علي شلش بأن سبب نشر الأدب الإفريقي من قبل الأمريكيين هو الطابع الغريب والطريف فيه، وأن إقبال القراء غير الإفريقيين على هذا الأدب يشبه إقبال جمهور السينما على أفلام الغابات وطرزان.

ويُذكر في كتاب “الأدب الإفريقي” الذي أصدرته سلسلة “عالم المعرفة” الكويتية أنَّ العاصمة المصرية القاهرة كانت ملاذًا ومقصدًا للعديد من الثوار والمجاهدين الأفارقة في الستينيات. وتلا ذلك وصول الأدباء والمثقفين، فضلاً عن وجود تقارب في القضايا المتعلقة بالتحرر والاستقلال، وبذلك كانت القاهرة المرور الأول للأدب الإفريقي باللغة العربية مباشرة دون الحاجة لوجود لغة وسيطة، ويُقسّم الكاتب بحثه الإِطارِي عن الأَدب الأَفريقي بشكل عام إِلى أقسام بدأها بالشعر، وأشار إلى أَنَّ الشعر بشكل عام مِنْ أَقدم الفنون في إفريقيا، وله مكانةٌ بارزة في الآداب المكتوبة والشَّفهيَّة.

الشعر الأفريقي

بالرغم من أن البرتغالية كانت أول لغة أوروبية تصل إلى إفريقيا، إلا أن الإنجليزية هي اللغة التي نشرت أول ابتكارات الأفارقة وأكثرها توسعًا، ويبدو أن أثر الأفارقة في اللغات البرتغالية والفرنسية مجتمعًا لا يمكن أن يتساوى بأثرهم في اللغة الإنجليزية، حتى أنه لم يكن واضحًا في الشعر إلا بداية القرن العشرين، تميزت القصائد بأسلوب رومانسي يحمل الحزن والاكتئاب وتميزت بذوق حساس لألوان الظلم والشعور بالغربة، كذلك استخدم الشعراء نبرة صوفية تعكس رؤيتهم لأفريقيا كعبد نائم يجب إحياءه كما فعل المسيح بالنسبة ليعزر.

برايتن برايتنباخ، الشاعر الجنوب أفريقي المعاصر، يُعدّ أحد الشعراء الأكثر شهرة في الكتابة باللغة الأفريكانية، وبعد سجنه لتسع سنوات بتهمة العداء ضد الفصل العنصري، اشتُهِر بخصومته لجميع أشكال القمع والظلم، وانتُزع للكاتب جائزة مؤسسة محمود درويش في عام ٢٠١٠ بسبب مواقفه وكتاباته المؤيدة للشعب الفلسطيني ومؤازرته للنضال الفلسطيني، وأورد برايتنباخ قصيدة بعنوان “عهد رجل متمرد”.

أريد أن أموت قبل أواني

وقلبي ما يزال خصبًا ونابضًا بالدم

لم تعكره سفالة الشك السوداء

أعطوني شفتين

وحبرًا شفافًا للساني

حتى أغطي الأرض برسالة حب هائلة

منقوشة بالحليب

وبهذه الطريقة نجد أن الوضع يسير على نفس المنوال في اللغات الأصلية كلغة الإيجو في غرب نيجيريا، فتمتلك ملاحم طويلة وهامة كما ملحمة أو سيرة “أوزيدي” والتي تحكي عن بطل شعبي تقاتل الظلم والاضطهاد في مجتمعه حتى استشهد وهو يقاتل، وترك خلفه ابنه الذي يحمل اسمه تمامًا، وتولى الانتقام وإعادة الحق إلى أهله.

يتنوع الشعر المحلي بين الأنواع التراثية والشعبية والفلكلورية، ويشمل الأخير العديد من المقاصد مثل شعر المديح والغناء للصيد وأغاني الحفلات التنكرية وغيرها، وأيضًا شعر السحر المستخدم في إلحاق الخير أو الشر، ويقوم الشاعر الشعبي بإبداع السير والملاحم البطولية، وتأثر الشعر الملحمي المشهور بشكل كبير باللغات العربية والفارسية والأردية التي دخلت إلى الساحل الشرقي الإفريقي منذ القرن الثاني عشر، وذلك في موضوعاته وأشكاله بشكل خاص.

استوحى العديد من الكتاب الأفارقة المعاصرين هذا التراث الفلكلوري والشعبي الغني، الذي يشمل الشعر، والحكايات، والقصص، والمسرحيات، وجعلوا منه عنصرًا أساسيًا في كتاباتهم، وبذلك أصبح هذا التراث يلعب دورًا هامًا في الأدب الحديث بنفس الطريقة التي لعبها التراث الإغريقي والروماني في الأدب الأوروبي في أوائل عصر النهضة، ويوجد عدد من الشعراء الحداثيين في أفريقيا ظهروا في منتصف القرن العشرين، نجحوا في الإعراب عن المشاكل العصرية، ويأتون من منابع وتأثيرات عالمية، ويعتمدون على تراث الشعر الإنجليزي الحديث والتراث الشعبي الإفريقي.

ويعتبر الشعراء مثل دنيس بروتوس في جنوب إفريقيا، أوكيلو أوكولي في كينيا، كوفي أونور وجون أوكاي في غانا، كريستوفر أوكيجبو وجون ببر كلارك وولي شوينكا (الفائز بجائزة نوبل للآداب لعام 1986) مهمين جدا، وفي هذا الازدحام الشعري السردي والكتابي، المنشور بلغات عدة وعناوين مختلفة، تقول الباحثة الإنجليزية آن تيبيل: “إذا سئلت بين قبائل أفريقيا عما إذا كان لديهم شاعر، سيظهر شاعر في وقت أقل مما يحتاجه البحث عن شاعر في بريطانيا”، ويظل الواقع واضحًا بأن شعر اللغات المحلية المدونة لم يحقق أي تألق حتى الآن مثل شعر اللغات الأوروبية القادمة.

الأدب الإفريقي المنسي تراث مُهمل
الأدب الإفريقي المنسي تراث مُهمل

الرواية الأفريقية

تؤسس الرواية بصفة عامة لعلاقة وتواصل بين شخصين، والقارة الإفريقية قامت باستمرار النظرة الفنية للعالم بطريقة متأثرة بالجماليات الشفوية للأدب الإفريقي المتقلب و التداخل مع الفكر الأوروبي، و هذا ما يظهره الجانب الثالث من الكتاب المؤلف من قبل د.على شلش حول الرواية الإفريقية، ومن المثير للإعجاب أن يأتي القائمون على كتابة الرواية في أول تجاربهم من لغات محلية، وقد بدأوا بذلك في جنوب القارة التي كانت تطبّق الاتجاهات التعليمية والأخلاقية، نظرًا للرقابة الدينية وحركات التنصير القوية في ذلك الوقت، وتفاعلت بعض التجارب الأولى في غرب القارة، خاصة في نيجيريا.

وكانت هذه الحكايات ممتلئة بالأحلام والتخيلات، مما جذب قلوب الجيل التالي الساعين إلى الإبداع من مصادر مختلفة، وهو ما لفت الانتباه في الغرب أيضًا، إذ وجدوا فيها نوعًا جديدًا غير مهتم بتحليل شخصياتها أو برسم الأحداث والصور المعقدة، كما أنها مليئة بالفكاهة والحيوية، وكانت اللغة الفرنسية أحد أوائل لغات أوروبا التي نضجت فيها تجربة الكتابة الروائية من قبل الإفريقيين، وقد برع الأدب الإفريقي في هذا المجال مبكراً، وتركز الكتابة على المشاكل المعاصرة ومحاولات الإشادة بالماضي الإفريقي القديم.

وظهر الجيل الأصغر بأسلوب أكثر تطوراً وتفانياً في الكتابة الروائية، وظهرت منابع جديدة للأدب الفرنسي في بلدان مثل ساحل العاج والسنغال والكاميرون، وأصبح الأديبان كامارا لاي وفردينان أوينو اليوم رموزاً للأدب الفرنسي المكتوب في إفريقيا، وظهرت الرواية الإنجليزية في إفريقيا بعد التأخير مقارنة بباقي اللغات الأوروبية، ونشأت أول محاولات لها في جنوب إفريقيا، وتقدمت هذه الروايات بمواضيع دينية مسيحية، ولكنها كانت تحمل مادة تراثية متنوعة لأن الكتاب كانوا يخافون من تأثير الثقافة الغربية السيئة على تقاليدهم القديمة وإبداعهم التراثي، وصفت هذه الروايات صراع الثقافات وعواطف الإفريقيين تجاه الحكومة البيضاء.

كانت القصص المبتكرة هذه تنقل ألم الإفريقي ومعاناته في وطنه، على الرغم من أنها تشتمل على بعض الفكاهة والطرافة، لاحقًا تقدمت الأجيال اللاحقة إلى النضج والواقعية، وتركزوا أيضًا على تصوير المشاعر العاطفية، وخاصة بعد قيام الكثير منهم بالسفر إلى دول أوروبية ومعرفة الحياة الحديثة، وكانت جنوب إفريقيا في ذلك الوقت تشهد أيضًا موهوبين بيض، مثل “آلان باتون” و “أوليف شراينير” و”نادين جورديمر” الحائزة على جائزة نوبل في الآداب عام 1991، الذين أرتبطوا بشدة بقضايا الإفريقية.

ولم تكتنز الأدب الإفريقي الناطق بالإنجليزية ركنًا خاصًا بالنمو في جنوب إفريقيا بل قد امتد انتشاره أيضًا في المناطق الشرقية والغربية للقارة، حيث أطلق العديد من الروائيين أعمالهم على مدى عهد الحرية والاستقلال، بعضهم مثل نجوجي وآثيونجو في كينيا ووتشينوا أتشيبي في نيجيريا، والذي أصدر أول رواية له “الأشياء تتداعى” في إنجلترا والتي حظيت بإشادات عديدة من قبل نقاد الأدب الإفريقي، كما استمر في كتابة الروايات بالنحو نفسه حتى توقف لفترة تزود بجوائزه الفريدة في العديد من مؤسسات الأدب الأمريكية والبريطانية، ثم عاد للكتابة بروايته “تلال نمل السافانا” في عام 1987، و من خلال رصده تم ترشيحه للعديد من الجوائز الأدبية بما في ذلك جائزة نوبل.

ويقول الكاتب أتشيبي الذي كان مهتمًا دائمًا بكتابة عن الأجداد والتأثير الاستعماري الذي حدث، ويسعدني تمام السعادة أن تكون رواياتي محصورة في تعليم القراء بأن ماضيهم، وعلى الرغم من جوانبه الناقصة، لم تكن سوى ليلة مظلمة من العنف، وقام “واثينوجو” بتقديم نموذج آخر من الرواية السياسية، حيث يعتقد أن الاستعمار بمدارسه وإرسالياته هو سبب تخلف إفريقيا وأن طريقة العلاج هي الاتجاه نحو النظام الاشتراكي، حيث يظهر ذلك في روايته “Weep Not, Child” والتي اقتبس عنوانها من قصيدة للشاعر الأمريكي والت وايتمان، حيث استخدم الثورة الزراعية “الماو ماو” في كينيا وحركات النضال من أجل الاستقلال كمثال على ذلك.

وتحولت مفاهيم رواياته لتصف قضايا الحياة المعاصرة ومعاناة البسطاء. حصل واثينوجو على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة بايرويت الألمانية وتم تكريمه بالعديد من الجوائز الدولية، كما تم الترشيح له لجائزة المان بوكر، ويتابع الكتاب رحلته خلال أشكال فنية متعددة، مثل المسرح الإفريقي والسير، وكذلك يتضمن أهمية القصص الإفريقية القديمة والحديثة ودور المجلات الأدبية في تغذيتها وتنميتها، ومن أهم تلك المجلات نذكر مجلة “الطبلة” الجنوب إفريقية ومجلة “الوجود الإفريقي” التي تنشر من باريس، وكذلك مجلة “أوروفيوس الأسود” النيجيرية.

وتدور الأحداث في القصة الإفريقية حول قصص الحروب والعنف والحب، بالإضافة إلى الفساد السياسي والفقر والجوع، ومع ذلك، تشير الباحثة الإنجليزية “آن تيبيل” إلى أن القصة الإفريقية ما زالت في مرحلة التجريب ومحصورة في الأشكال التقليدية، وقد اقتصرت على الهامش والجوانب الثانوية للقصة، وبالرغم من التحديات الاجتماعية، يواصل الأدب الأفريقي تحسنه بشكل ملحوظ في الكم والكيفية، على الرغم من صعوبة مقارنته بالأدب الذي يأتي من آسيا أو أمريكا اللاتينية، ويعتبر مقارنته مع الأدب في العالم الأول غير مهمّ.

الخاتمة

ومع ذلك، يبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون من المثقفين الأفارقة وهو عدد الأفارقة الذين يقرؤون الروايات والكتب التي تنتجها أفريقيا؟ وعند الوصول إلى هذه النقطة، يثور سؤال آخر يؤدي إلى قضية هامة، وهي هل الأدب الأفريقي يوجد بالأساس للتصدير؟

إقرا المزيد:

اظهر المزيد

savannahafrican

فريق التحرير موقع سافانا الثقافي
زر الذهاب إلى الأعلى