سافانا الثقافي – تهدف رواية “فخ الوجود.. ديريه الماركسي” لمحمد حرسي إلى الكشف عن الأفكار الأيديولوجية المختلفة في شخصية الصومال، وإبراز فترة تاريخية مهمة في تاريخ البلاد، وتم إعداد الرواية بشكل روائي تخيلي، وتتضمن شخصيات متناحرة ومتداخلة في آن واحد تتكون من مختلف التوجهات الثقافية والأيديولوجية، مثل الماركسية والنسوية والدولة القبيلة والإسلام الجهادي، ويتم استعراض هذه القصة في فترة الحكومة المدنية و تأسيس الحكومة الفيدرالية الحالية.
صراع الهويات الصومال والماركسية في فخ الوجود
يصف كتاب “فخ الوجود.. ديريه الماركسي” للمؤلف محمد حرسي تفاصيل حياة عائلة صومالية وتحولاتها التي تقع فيها، وتقوم القصة بتوثيق يوميات أسرة صومالية تعاني من صعوبات الحياة وتتغير ملامحها، وتمثل كل شخص فيها نموذجًا حيًا للمجتمع الصومالي، ويتمثل هؤلاء الأشخاص في ديريه المُحترف في النظرية الماركسية، وجيدي المتطرف وطُودي المؤيدة لحقوق المرأة، وزعيم العشيرة.
وينجح الراوي في جمع هذه المجموعة المتنوعة في قالب واحد، ويتوجب على القارئ تجربة سرد تحولات مصائر هذه الشخصيات، وتتضمن الرواية سخرية مبطّنة تلمح إلى العبثية والسوداوية في الحياة، وجدت أن هذه التحولات الأساسية في الشخصية الصومالية تنبت من تجربة الصدمة الثقافية التي مر بها بعد تحديثه وإتاحة الفرصة له لم عاقبة المجتمعات الأخرى المحيطة بالقرب وعلى بعد، ويمكن القول أن الصومالي قبل فتحه الثقافي على العالم الخارجي لم يكن يواجه أية نزاعات أيديولوجية داخله.
وكانت فكرته عن الحياة تقتصر على قبائل البادية وعريان عشيرته، وفي الزمن الحديث يمكننا أن نرى شخصية محمد عبد الله “السيدكا” الذي تحول إلى زعيم مناضل في فترة الإستعمار الأيام الماضية، وكذلك الحركات الإسلامية التي تستورد أفكارها من السعودية ومصر بفضل الدروس الدراسية، وحتى محمد سياد بري وأفكاره الشيوعية التي تطبقها بعد إستيلاءه على السلطة بالإضافة إلى كل هذه التحولات البالغة التي تحدث بعد عودتها إلى الوطن، ونرى أيضًا في الرواية تحولات مشابهة لتلك التي واجهتها في الواقع.
متى صدرت الرواية؟
صدرت هذه الرواية وهي الأولى للروائي محمد حرسي عن دار هِيل بريس في القاهرة، في العام 2019، وتحتوي الرواية على 187 صفحة من الحجم المتوسط.
الفرق بين ديريه الأشعري و ديريه الماركسي
تدور أحداث القصة في فترة هادئة وحذرة في الصومال، حيث كانت تعاليم الصوفية في أوج عظمتها، وعاش ديريه حياة صعبة مع عائلته، لكنه وجد فرصة لدراسة العلوم الإسلامية في جامعة الأزهر خلال فترة الحكومة المدنية بين عامي 1960 و1969، وعندما عاد إلى مقديشو، شهد انقلابًا أبيض يقوده جنرالات من القوات المسلحة ووُظف في وزارة النقل، ولكنه لم يكن راضيًا عن هذه التجربة، وحصل على منحة دراسية في روسيا لدراسة العلوم الإدارية، وعلى الرغم من عدم انخراطه في الأجواء الاشتراكية، بدأ يدرس كتباً لكارل ماركس في العدالة الاجتماعية والمساواة، وتأثر بصديق ماركس الإنجليزي فريدريك إنجلز.
تحول ديريه إلى ملحد ماركسي بسبب هذه الفلسفة المادية، وعندما عاد ديريه إلى مقديشو، استعرض النظام الاشتراكي في بلاده ووُصِفَ بأنه يتبنى “اشتراكية غير علمية”، وهذا الخطاب تسبب في سجنه بعد لقاءه الرئيس محمد سياد بري. بعد الخمس سنوات التي قضاها في السجن، ظلت أفكاره خارجَ إيمان المذهب وظل ينظر إلى الحياة بشكل سلبي، وتوجه إلى القاهرة حيث عمل كمترجم في معهد بحثي وبعد ذلك سافر إلى أوروبا الشمالية، ومع ذلك فإن العودة إلى مقديشو كانت خطرة.
تتجلى في رواية “فخ الوجود.. ديريه الماركسي” الشخصية الرئيسية الرائعة التحوّلية، حيث تتحوّل صوفي أشعري إلى ماركسي، وتُعَدُّ نموذجًا للشخصية الصومالية المتقلبة والحادة، ولم يكن المجتمع الصومالي المحافظ على الدين معروفًا بديريه الإلحادي، لأنه كان قليل النطاق ومنعزلا، وكان يبتعد عن قيم ثقافية ودينية تمثل المجتمع الذي يعيش فيه، وكان يُشير إليه باسم “الرجل الذي لا يصلي”، ومع ذلك كان لديه “أفكار مادية ماركسية” التي أرساها خلال زيارته لروسيا، وعاد ديري إلى مقديشو متغيرًا، وابتعد عن العناصر الاشتراكية السابقة، وانضم إلى منظمة المجتمع المدني التي كانت تهدف إلى إنشاء برلمان صومالي بعد الحرب الأهلية.
وعن طريق القبائل السابقة التي كان يندد بها، أصبح نائبًا للحكومة الانتقالية وحاول الحصول على منصب وزاري، لكنه فشل بسبب ضعف شبكته السياسية، تمثل الشخصية الدرامية ديريه تحولًا جذريًا من سوفي إلى ماركسي ملحد، وهو نموذج للشخصية الصومالية المتقلبة والحادة، والتي لا تعرف مفهوم “الوسط” في الصراعات الفكرية والثقافية التي تتم في العالم، كما تميل إلى المبالغة في الغالب.
“جيدي” واعتباطية التحولات
في جانب آخر من الرواية، تجد شخصية جيدي التي تعتبر مثالاً للشاب الصومالي الذي تم تفريغه من قيم الثقافة الصحراوية بفضل الزعامة القبلية لأبيه، وقبل اندلاع الحرب الأهلية، انتقلت الأسرة إلى أمريكا ولم يتمكن جيدي، كما هو الحال مع الصوماليين الآخرين، من الاندماج في المجتمع الأوروبي في البداية ومع مرور الوقت تكون جيدي علاقات مع المجتمع الصومالي هناك، وفي إحدى الليالي اغتصب جيدي بنتًا صومالية مع مجموعة من الشباب الصوماليين الآخرين، وحاولت الأسرتان التغطية على الأمر بطريقة “بحير صومالي”.
ولكن تم اكتشاف الأمر من قبل المحكمة الولائية وأُدين جيدي وسجن لستة أشهر، وخلال جلسة المحاكمة طلبت أسرة الضحية إعفاء المتهم لكن النائب العام في الولاية قضى بعشر سنوات من السجن، وهذا الأمر يتعارض مع الليبرالية الغربية التي لا تحترم تلك التقاليد، وبعد إنتهاء مدة حبسه في السجن، ظهرت تغييرات كبيرة في شخصية جيدي وأفعاله، حيث عاد إلى بلده دون إخبار أي أحد وأصبح زبونًا لمحلات تبغ القات وشاربًا للخمر، وكان لديه تجربة زواج فاشلة مع “بصرا” التي عاملها بالعنف والإستهتار ثم طلّقها.
وبعد فترة صعبة، بدأ جيدي تجربة جديدة حيث ذهب إلى المسجد للصلاة بعد مساء من الجدل مع النسوة المتشددات في حي طودي، وعند مراقبة تغيرات الأفكار للجهادي جيدي، يمكن فهم كيف تحول من الاعتداء على النساء في المنطقة المنزوية إلى مقاتل في جماعات الجهاد في الصومال، حتى قام بتخطيط لقتل زميل له في الحركة بعد اعتناقه الدين المعتدل ودعمه الحكومة الصومالية، وفي النهاية جيدي الجهادي انتهى بالانتحار في الفندق الذي كان يقيم فيه بصحبة صديقه المنشق.
“طُودي” الضحية والنسوية
عادت الطودي الصغيرة من الغرب لتتعلم تعاليم الإسلامية، وعند وصولها إلى مدرسة القرآنية “كتاتيب” قاموا بتسجيلها، فأصبحت فريسة سهلة لمدرس المدرسة الذي طلب يدها من أبيها، ولكن الطودي لم ترد أن تتزوج مدرسها في المدرسة بسبب صغر سنها وعدم معرفتها بطلاسم الحياة، لكن للأقدار رأي آخر تمت لها حفلة بسيطة في بيتها الجديد، حيث أنجبت ثلاثة أولاد وهي لم تكمل عقدها الثاني بعد.
وبعد مرور سنوات على عودتها إلى الولايات المتحدة وطلاقها من زوجها بعدما رفض الطلاق، احتفظت طودي بالشعور بالعداء تجاه الرجال وانضمت إلى حركات نسوية في أمريكا، ثم عادت مرة أخرى إلى بلدها لمحاربة الثقافة الذكورية القوية في الصومال، ومع ذلك فإن العجيب هو أن أحد أبنائها أصبح متطرفًا وانضم إلى الحركات الجهادية التي كانت تسيطر في ذلك الوقت على جزء كبير من الصومال، وتهدف الكاتبة في قصتها “فخ الوجود.. ديريه الماركسي” إلى الكشف عن ضعف شخصية الصوماليين وتغيراتهم اللا منطقية.
الخاتمة
يتفطن القارئ إلى أن الكاتب بذل مجهودًا كبيرًا لانتقاد الثقافة الصومالية وطريقتها في التعامل مع العائلة، ويصف الكاتب هذه الثقافة بأنها غير عادلة وتعارض المساواة بين الرجال والنساء، وأنها تسببت في الكثير من المشاكل التي حدثت لشخصيات مثل طودي وبصرى وغيرهما من الشخصيات النسائية في القصة.
إقرا المزيد:
- المامبا السوداء رواية تجسد الثقافة الصومالية
- المجند اكتشف أول رواية إريترية تُروى
- رؤية جريئة للروائي نور الدين فارح عن الهوية الصومالية المفقودة