سافانا الثقافي – قراءة الرواية الأولى للكاتبة الصومالية البريطانية، نظيفة محمد تقوم بإعادة قارئها إلى منطقة تجاوزت الاستعمار وتحولات تاريخية، وتشير إلى الجزيرة العربية وشرق أفريقيا والشرق العربي، وتحاول الرواية إعادة الحركية والوقت في هذه المناطق الطموحة، ولكنها تحمل الكثير من المحاذير فيما يتعلق بالحذف والدقة في تصوير الحياة في هذه المناطق.
ومع ذلك، لا تزال الشابة الكاتبة في رحلة تتبع بطلها الذي هو صورة لوالدها و كل الصوماليين الذين تركوا بلادهم أثناء الاستعمار وانضموا إلى الجيوش أو عملوا كطهاة في المطاعم والثكنات العسكرية والسفن البخارية، وتحصر الصورة لتجربتهم في جنوب شبه الجزيرة العربية والصومال البريطاني وارتيريا والحبشة وأخيرًا بريطانيا. وقبل الدخول إلى أحداث ومضمون الرواية، يتعرف القارئ على الروائية.
من هي نظيفة محمد
الكاتبة البريطانية نظيفة محمد صومالية الأصل، في عامي 2013 و 2014 تم إدراجها في قوائم “أفضل الروائيين البريطانيين الشباب” من قبل مجلة جرانتا و 39 كاتباً تحت سن الأربعين ممن لديهم القدرة والموهبة على تشكيل مستقبل الكتابة الأفريقية، وكما ساهمت بمقالات ومذكرات وحكايات قصيرة لمنشورات مثل The Guardian، ساهمت بالشعر في إصدار 2019 من كتاب مارغريت باسبي The New Daughters of Africa.
وفي عام 1981 ولدت نظيفة في هرجيسا بأرض الصومال، وكان والدها صاحب أرض محلية وبحارًا في البحرية التجارية، وانتقلت إلى لندن مع عائلتها في عام 1986 وبسبب الحرب الأهلية آنذاك ظلت في لندن هي وأهلها، و ذهبت إلى هرجيسا في عام 2008 لأول مرة منذ أكثر من عقد، وتقيم في لندن وتكتب الآن كتابها الثالث.
تعتبر رواية نظيفة محمد الأولى هي “بلاك مامبا بوي (2010)”، التي وصفتها صحيفة “الغارديان” واحدة من الكتب الهامة التي تؤثر على الفئات المحرومة، وتدور الرواية حول حياة والد الكاتبة في اليمن خلال الحقبة الاستعمارية في الثلاثينيات والأربعينيات، وتعدّ الرواية “سيرة ذاتية خيالية”، حازت على إعجاب النقاد والشعب في بلدان مختلفة، بما في ذلك كوريا.
وحصلت على العديد من الجوائز مثل جائزة Betty Trask لعام 2010 وجائزة Guardian First Book جائزة Dylan Thomas لعام 2010 وجائزة John Llewellyn Rhys لعام 2010، وتم ترشيحها لجائزة Orange Prize for Fiction لعام 2010، وكتبت الكاتبة هذه الرواية لتسليط الضوء على تاريخ الصومال لجمهور أوسع ولتروي قصة جدتها.
أحداث رواية بلاك مامبا بوي
تعتمد الرواية على ذكريات والدها، حيث تشير إلى أنها قضت آخر سنوات حياتها بكتابة عن زمن شباب والدها الذي قضاها في ضياع، عندما تلقت عرضًا من هاربر كولينز لنشر الرواية. ولأن كل رواية تبدأ من بَذْرَة، كما شجرة ينبت عليها، فإن الرواية الحالية تقوم على الحديث الذي دار بين والدها وهي، الذي تحدث به عن الخطوات التي قادته إلى بريطانيا والاندماج فيها، على الرغم من أنه كان يحمل حلمًا لم يتمكن من تحقيقه في الصومال.
تدور القصة حول تجرِبة محمود ماتان، الصومالي الذي كان آخر رجل يعدم في بريطانيا قبل إلغاء عقوبة الإعدام عام 1952، وفي العقد الأخير من القرن الماضي، حاول ابنه تطهير اسم والده من جريمة القتل الذي نُسبت له بشكل ظالم لصاحبة بقالة في ويلز، التي كانت واحدة من نِقَاط العبور الذي يستخدمها البحارة الذين يهربون إلى بريطانيا للبحث عن حياة أفضل تخلصهم من العنصرية والحنين لوطنهم المدمر، ويعيش سكان بلادهم على وجبة واحدة في اليوم، والقصة تستحضر روح وتجربة ماتان الشديدة التي تعرض لها في بريطانيا.
تركوا وطنهم المعاني من الحروب والمجاعات، وعانت الحياة الطبيعية من غزو الجراد وانعدام الأمطار، مما أدى إلى قطع الأعلاف والموت الإنساني والحيواني، وكان Mattan صديق والد الكاتبة وتم إلغاء حكم الإعدام عليه بعد مرور 50 عامًا من الظلم والبهتان. كان والدها، Mahmoud Mattan، جزءًا من جيل من الصوماليين الذين قرروا الرحيل عن وطنهم بحثًا عن فرص جديدة المتاحة انطلاقًا من قُوَى الاستعمار.
بالشبيهة من الحضارمة، الذين كانت علاقتهم بالمنطقة متينة وثابتة، مثلهم مثل العقد يهاجرون إلى جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا، كان الصوماليون والحضارمة هم من أسسوا وجود العرب والمسلمين في بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بنوا المستوطنات والموانئ، وكان بعضهم يسافر إلى لندن، ليستقروا هناك ويَعيشُ أحفادُهم اليوم في شرق لندن، ولكن بعد أن انفجرت الحرب الأهلية في الصومال، بدأ أهله يهاجرون في كل مكان، اليوم يُمْكِنُ العثورُ على مجتمعٍ صومالي في لندن، ويتجلى ذلك في وجود المساجد في العاصمة.
في زمن الإمبراطورية التي يعود أصل والد الكاتبة ماتان إليها، كانت الظروف مختلفة تمامًا عن جيل الحرب الجديد، كان والدها مدفوعًا بالبحث عن فرص الاكتشاف والتعرف على العالم كان محظوظًا لأنه نجا من الإنكليز والإيطاليين الذين حاربوا في الحرب العالمية الثانية في منطقة القرن الأفريقي، ولذلك قررت الكاتبة دراسة تاريخ المنطقة التي سافر إليها والدها، التي تشمل الصومال وجيبوتي وإثيوبيا، ومن خلال هذا الاهتمام بتفاصيل حياة والدها، تحولت قصة الكتابة إلى حكاية حول رجل تخطى حدود الزمان والمكان وانتهت حياته في بريطانيا.
تأثير الرواية على بلد الصومال
تحمل القصة المذكورة جانبًا من التاريخ الأنثروبولوجي للمجتمع الصومالي ومحاولة لإعادة تجسيده بالطريقة التي تم استرجاعها من قبل والدها، التي تم صوغها في كتاب “الإمبراطورية” الذي وصف الصوماليين بالمتوحشين والأشخاص البدائيين، وأشير إلى زعيم الحركة الصوفية والمصلحي محمد عبدالله حسن، الذي قاد حركة الجهاد المعروفة باسم “الملا المجنون” ترتبط تاريخ والدها بتاريخ الصومال الحديث والقديم، بدءًا من الحروب والصراعات ضد الاستعمار حتى الحرب مع إثيوبيا، التي تركت جدتها وهي لاجئة في إثيوبيا وتوفيت هناك.
يثير الاهتمام أن الاستعمار، على الرغم من أنه دفع بعض الناس إلى ترك وطنهم، فإنه كذلك جلب أصوات الماضي البعيد واستدعاء كل عفاريت القبيلة والقرية ورهاب الخوف والذنب الذي يطارد البطل مغادرته أمه في أمبارو وعيشه لاجئ مع صديقه العبدي والشيدان في شوارع مدينة عدن في الثلاثينيات من القرن الماضي التي كانت تحت الاحتلال البريطاني وتعد مركزًا لسفن الإمبراطورية، حيث يعيش ثقافات مختلفة من الهنود والصوماليين واليهود والبريطانيين والعرب كمجتمعات أصلية للمنطقة.
مثل جميع الأطفال الصوماليين المشردين أو المهاجرين من وطنهم، كانت أمبارو تحاول النجاة في ظروف صعبة وتربية ابنها الوحيد الذي تركته لعدة ساعات تحت رحمة أفراد عائلتها، في حين كانت تعمل في مصنع قهوة في عدن، ثم تعود لنا موسى معها على سطح المنزل، راضية عن القليل الذي يمكن للعائلة تمتع به، وكان الفتى جامعًا وكان الأمل الوحيد لأمبارو، وقد ركزت كل جهودها على توفير حياة سعيدة له، تخليصه من العوز الذي عانت منه بعد الانفصال عن زوجها غوري الذي غادر البلاد بحثًا عن عمل في السودان ولم يعد.
في قصة جاما، تمزج الخرافة والتقاليد مع الحقيقة بسبب عِلاقة الحب والرفض الذي حدثت بين الأب والأم، وكانت العائلة قد أمرت الأم بالزواج من رجل آخر، لكنها فضلت الهرب من القيود والزواج من الرجل الذي تحب، وعاش الزوجان في فصل لوحدهما بعيدًا عن القبيلة ولكن الرفض لم يغادر حياة جاما وكان دائمًا موضع اهتمامه خلال رحلته في البحث عن مكان ليعيش فيه في العالم.
ويعاني جاما من شعور الرفض، مما يؤدي به إلى الثورة ضد والدته ويتركها وحيدة تحت رعاية عائلة المضيف، ويعيش حياة الشوارع متشرد في أحياء عدن الفقيرة، يسرق ويعمل في وظائف قليلة الأهمية مع أصدقائه عبدان وشيدان، يتناولون الطعام بأي شكل يمكن الحصول عليه وينامون في العراء، يشاركون في اشتباكات مع الأطفال وأبناء الدوائر وأبناء اليهود، وعندما يتعلق الأمر بالبحارة البريطانيين، يتخلى هؤلاء عن ذواتهم بسبب نزوات مريضة يريدون إشباعها، وذلك لأجل تحدي الأطفال وتنافسهم في جمع العملات الملقاة في البحر.
بالرغم من نشاط وحيوية مدينة عدن، إلا أنها تظل باهتة في ذهن جاما وصديقيه، لأن حياتهم المليئة بالاضطهاد والرفض الذي يعانون يجبرهم على الاهتمام بأمور أخرى المدينة معروفة بشجارات الأطفال مع اليهود ومحاولتهم إنقاذ امرأة مضطهدة، وكذلك سرقة الموسرون الذين يتركون بقاياهم على الطاولات في مطعم هندي، وكما يتجمع أفراد من عائلات الصوماليين حول مطعم خاص بهم للاستماع إلى أخبار العالم، ويتأثرون بالتعاطي، والأطفال الذين يعيشون في هذه المدينة هم أبناء نساء هاربات من قمع الأب في بلدهم الأصلي، وبعضهن يعملن في بيوت الدعارة لاستقبال البحارة.
تفكر عِلاقة الصبيان الثلاثة التي تؤدي إلى تشردهم في بطل رواية “فارس الرمال” للمؤلف خورخي أمادو وبالرغم من ذلك، فإن أبطالنا الثلاثة ليسوا أقل شجاعة من بطل أمادو، حيث يواجه كل بطل مشكلة وعقدة تدفعه لترك عائلته، ويتمثل هذا في الخلاف بين جاما وصديقه شيدان وابن عمه عبدي، الذي يبدأ بموقف عمل جاما كغسال صحون في مطعم صومالي، حيث يشعر بالخيانة من قبل شيدان الذي عدّ هذا العمل خيانة، وفي اليوم التالي يفقد جاما وظيفته ويبحث عن والدته التي لم تحضر للعمل بضعة أيام، وهو ما دفعه إلى العثور عليها في المراحل الأخيرة من حياتها، حيث يتركونها في البيت دون طبيب بسبب نقص المال.
من الماضي إلى الحاضر، كانت مدينة عدن تشغل الطفولة انطلاقًا من قسوة الأشخاص وتربيتهم روحية لابنها، يجد نفسه مضطرًا للعودة إلى جدته في مدينة هيرجيسيا التي صار موطنًا جديدًا له وفي هذه المدينة، يخوض تجرِبة جديدة مع عائلته الممتدة، حيث يسمع قصة العارفة النفسية أمبارو وتجربتها مع القدر بهذه الطريقة، يعيد الولد ربط الأحداث من الماضي إلى الحاضر في حياته، ولكن يجد الولد نفسه مرة أخرى في مجتمع يؤمن بالخرافات والجن والسحر عدّ ما حدث معه عند ولادته معجزة في النظريات الخارقة.
شخصية أمبارو الغامضة
في الرواية، تظهر أمبارو شخصية غامضة وغير متاحة حيث لا تكشف عن مشاعرها الداخلية، ربما كانت الحزن على فقدان ابنتها وفوضى فقدان الأخوات والرحيل الزوجي هي الأسباب الرئيسية وراء هذا الكون الداخلي الغامض، يقدم الكاتب الصومالي تقاليد وعادات المجتمع ومعتقداتهم، حيث يتجه إلى التفاصيل والآليات في سير وتحول الأفكار والمعتقدات بين الزوجات المتعددات، يبقى الولد الذي ظل على الهامش محور اهتمام الكثيرين الذين حاولوا استفزازه، مما أدى إلى تطوير عِلاقة كراهيَة معه وفي النهاية قررت الرحيل عن المنزل الكبير.
قام جاما بعمل في مسلخ المدينة ونقل الذبائح إلى المطاعم وجمع المال وخبئه في مكان آمن قبل نهاية التراجيدية لكن في وقت سابق، اكتشف جاما أن أيان الفتاة التي كانت في غرفة الجدة الكبرى جينو كانت تبحث عن ماله، وبسبب ذلك قام بعقابها وحبسها في خزانة ساعات طويلة تقريبًا حتى الموت، بعد ذلك بدأت رحلته الملحمية داخل الطبيعة الصومالية للبحث عن والده البعيد وخلال رحلته زار مدن وبلدات الصومال البريطاني وعاش في مزارات الأولياء، والتجول في الصحراء وإعاشته والنوم مع الحيوانات، وفي النهاية وصل إلى جيبوتي بعد دخوله على ظهر شاحنة محملة بالفواكه، وفي البداية عمل لإيجاد عمل في مدينة القضارف السودانية.
يعيش الشخص في جيبوتي أو الصومال الفرنسي بضيافة ممرضة تدعى أمينة وزوجها الذي يعمل مدرسًا، وهو الذي وجده وهو غائب عن الوعي، ويسافر إلى إريتريا من جيبوتي، وهو عصب ومصوع عبر رحلة طويلة بحرًا وبرًا عن طريق القطار والشاحنات والحافلات إلى أقرب نقطة على الحدود السودانية، ويأمل في السفر إلى القضارف ولقاء والده، ولكن ينتهي بالوصول إلى أم هجر في جنوب غرب إريتريا، حيث يوجد معسكر للإيطاليين، زيقوم المجندون الصوماليون بإبلاغه بأن والده كان موجوداً معهم، لكنه غادر إلى السودان.
وينصحونه بالبقاء معهم حتى يرسلوا رسالة لأبيه يبلغونه فيها بوجوده في المنطقة وفي غضون ذلك، يعاني الشخص من حرارة المنطقة ومن الملاريا ومن قسوة الإيطاليين، وتحطم حلم الابن بالحياة الجديدة مع والده بعد خبر وفاته، تاركًا إياه ليعيش بمفرده في العالم، ولكن بالاقتراب من الصراع مع البريطانيين، يُجَنَدُ في الجيش الإيطالي ويشارك في معركة “كيرن” في عام 1941، حيث يلتقي بأصدقائه شيدان وعبدي، ويعملون معًا في وحدة إشارات، ولكن في النهاية ومع هزيمة الطليان ومقتل شيدان في حادث مؤلم، هرب جاما من الجيش وبدأ حياة جديدة في بلدة “غيرست”، في حين يعمل تاجرًا ومزارعًا، ويتزوج فتاة تدعى بيت لحم.
يدفع قسوة الحياة هذا الرجل إلى المغامرة من السودان إلى مصر وفلسطين، لينتهي به المطاف في بريطانيا حيث يعمل على متن سفينة بريطانية وعلى الرغم من الخط العام للرواية، ينعكس في سيرة البطل والشخصيات الأخرى العديد من الموضوعات التاريخية التي تستدعي من الكاتبة الحفر في الذاكرة التاريخية وفهم العنصرية والاستعمار والنمطيات الاجتماعية المختلفة، حتى في الصومال نفسه، ويروي الكاتب صورة حية للحياة في القرية الصومالية والمدينة، ويتحدث عن حكايات المستعمرين والسكان الذين يتعرضون لشر الساديين ويصارعون من أجل النجاة في واقع صعب.
النقاط الأخيرة في الرواية
تناولت المؤلفة هنا مسارات الهجرة الصومالية التي لم تقتصر على عدن أو المدن الدينية وإنما إلى فلسطين، حيث وصلت قوات الجيش الصومالي بالتعاون مع الجيش البريطاني تمامًا كما وصل الجيش السنغالي إلى سورية بالتعاون مع الجيش الفرنسي. عندما يصل السرد إلى ذروته ويقل التوتر، تتراجع الأحداث وتأخذ مسارًا عاديًا بعد وفاة الرفيق وتشردها وترحيل جاما بحثًا عن حياة جديدة في بلدات إريتريا ومناطق بعيدة.
تتراجع شدة سرد وقلقه، ويصبح توتره وقلقه هادئًا، بفضل مقطع تصويري متقطع يبين مشاهد من السودان ومصر وفلسطين، ويرافق الشخص الرئيسي جماعة في رحلته، ويشاركهم البطل الأمريكي للملاكمة، الذي ينحدر من أصول لبنانية، الذي يطلق على الفلسطينيين لقب “العبيد”، ولكن البطل يجد مساحة جديدة في غزة وخان يونس وصرفند، حيث يعيش برفقة أصدقائه ويحضرون حفل زفاف في خان يونس وبعد ذلك، يعودون إلى فلسطين أثناء الحرب، ويواجهون وصول النازيين إلى المخيمات في فلسطين.
تبدو جميع هذه الأحداث درسًا في التاريخ، وتجعل الأبطال مزروعين في واقع مختلف، ويبدو سكان فلسطين كمن خرجوا من نص توراتي أو تاريخ العهد القديم، وذلك ربما لأن الكاتبة تبحث في التاريخ بتعاطفها في المقابل، يوضح هذا الجزء من الرواية مفهومًا جميلًا للحياة في الصومال، ويتماشى معها، حيث يتم الترحال والتشرد في الفيافي والقفور، ويذكر هذا الجزء القارئ برواية كويتزي “حياة وزمن مايكل كي”.
ربما كانت الحظ والحفاظ على الإنسانية مسؤولين عن نجاة جاما، ولكن الأهم من ذلك كان العِلاقة العائلية، وصلة الأبناء الأعمام التي فتحت الباب لجاما للعيش والتأقلم والبحث عن فرص. وكان أفراد القبيلة في كل مكان مستعدين للمساعدة في أي وضع، وكان اللغة الصومالية والأسماء والألقاب دلائل أخرى في الرواية تحتاج إلى بحث وتفسير من قبل القارئ.
تظهر الأدعية والأسماء والكلمات التي ينطقها الصوماليون في الرواية بشكل متحرك مثلما ينطقون بها، مثل “شيدان” وغيرها من الكلمات. ويبدو في بعض الأحيان أن هناك اهتمامًا غير واعٍ بالأساليب والرموز، في إشارات إلى بيع الرقيق في جيبوتي، أو في الأقل هذا هو ما يستدل من السياق. ويتم بيع هؤلاء الرقيق للعرب في الجزيرة. على الرغم من أن السرد يتحدث في سياق مختلف عن زواج صومالي ويمنية، إلا أن السؤال الذي يخرج هنا هو كيف يمكن للأب أن يزوج ابنته من شخص أقل منه في الرتبة.
الخلاصة
وعلى الرغم من ذلك، فإن الرواية تظل غنية بالرموز التي تتحدث عن الحب والفقدان والبحث المستمر عن مكان في العالم، والسعي لمعرفة أسرار الراحلين، تشير الرواية على الأسلوب واللغة التي استخدمتها المؤلفة إضافة إلى موهبتها الكتابية، حيث تعيد إلى ذاكرتنا بلدها الصومال، على الرغم من أننا نعرف الصومال جيدًا وتاريخه وتجربته انطلاقًا من أعمال الكاتب نور الدين فرح، وتتداخل الذاكرة في هذه الرواية الحالية بطريقة شخصية وعامة، لتقدم عملا في رحلة عبر الماضي والحاضر ونتعرف على الصومال بلد وتراث ورحلة حية وطرية.
إقرا المزيد: