سافانا مختاراتسافانا مقالات الرأى

الصومال ما وراء النماذج النمطية

سافانا الثقافي-في العقود الثلاثة الماضية، غالباً ما تناولت العناوين الصومال بمفردات تركز على النزاع والصراع والفشل والحروب، مما أكسب البلد صورة مشوّهة ومتحيزة في أذهان القراء والمراقبين حول العالم، وتتناول هذا المقالة الصورة النمطية المنتشرة عن الصومال وتفحص الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الصورة المضللة وغير الشاملة، وسنستعرض أيضًا كتاب “هل يفهم العالم الصومال بشكل خاطئ، الإيمان والحرب والأمل في دولة محطمة” للصحافية البريطانية ماري هاربر، حيث تقدم قراءة مختلفة عن الصومال وتكشف عن جوانب أخرى للبلد غير المألوفة للعديد من الناس.

عند استعراض العناوين المتعلقة بالصومال خلال الثلاثين عامًا الماضية، يظهر تركيز كبير على مفردات النزاع والصراع والفشل والحروب، وهذه الكتابات أصبحت المصدر الأساسي والوحيد المتاح عن الصومال، مما يترك القراء والمراقبين بانطباع عدم وجود وجه آخر للصومال بعيدًا عن الحروب والدمار. وتظل تسميات مثل “دولة فاشلة” و”أخطر مكان في العالم” مرتبطة بالصومال وعاصمته مقديشو.

الصومال ما وراء النماذج النمطية

قد يتساءل القراء حول مدى صحة ودقة المعلومات المقدمة في تلك المصادر والمشكلة في هذا التناول، وهو تساؤل مبرر، لكن تتمثل المشكلة في تقديم صورة غير دقيقة وغير شاملة مع اعتماد كبير على التحيز والتنميط، مما يعكس رؤية مشوهة للواقع، وفي تحدي لهذه النظرة السائدة، تناقش الصحافية البريطانية ماري هاربر، المختصة في الشؤون الصومالية، الصومال الذي يتم تفسيره بشكل خاطئ في كتابها (Getting Somalia Wrong?: Faith, War and Hope in a Shattered State)، ويقدم هذا الكتاب من خلال ستة فصول رؤية مختلفة عن الصومال ليفهمها العالم.

تبدأ الكاتبة بالتطرق إلى الصورة النمطية السائدة عن الصومال، عندما تسأل مجموعة من الأطفال البريطانيين عما يعرفونه عن الصومال، يقلد أحدهم إطلاق النار بيديه ويجيب آخر “إنهم أناس جائعون لكنهم يمتلكون أسلحة بكثرة”، وتشير الكاتبة إلى أن هذه الصورة التي تم تغذيتها عبر أفلام هوليوود ووسائل الإعلام لعقود لن تتلاشى بسهولة، بل هي صورة مؤسسة ومكونة بشكل أيديولوجي، وتستكمل الكاتبة حديثها عن قوة الجاذبية لصورة الإنسان المنهك بالحروب والفقر للإعلام والمنظمات الخيرية.

تاريخ بمفاهيم خاطئة

في الفصلين الأول والثاني، تستعرض الكاتبة بدايات التفاهم الغير صحيح للوضع في الصومال من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية التي لم تكن على دراية بالثقافة والبنى الاجتماعية الصومالية عندما قامت بتقسيم الأراضي إلى خمسة أجزاء استعمارية، وتشير الكاتبة إلى أن هذا التقسيم أثّر سلبًا على مشروع الدولة الوطنية الصومالية، حيث انحدرت الوحدة الوطنية بين الأجزاء الخمسة، إلى جانب ذلك أثارت سياسات الاستعمار التي قسمت أراضي صومالية إلى الدول المجاورة توترات أمنية وسياسية في منطقة القرن الإفريقي.

تناقش الكاتبة أيضًا التدخل الأمريكي في الصومال في بداية التسعينيات كمثال على المفاهيم الخاطئة التي تتحدث عنها، وتنتقد الكاتبة السياسة الأمريكية التي أدت إلى عملية “إعادة الأمل”، والتي بدأت كتدخل إنساني ولكن سرعان ما تطورت إلى تورط أمريكا في النزاع المسلح. في نهاية المطاف، أصبحت هذه العملية مأزق سياسي للولايات المتحدة بسبب سحل 18 جندياً أمريكياً في الشوارع. بعد هذا الحادث، تحولت المجتمعات الدولية، بقيادة الولايات المتحدة، ظهورها للصومال كعقاب.

تنتقد الكاتبة أيضًا التغطية الإعلامية للأحداث في الصومال، حيث يميل الصحفيون والمنظمات الخيرية إلى المبالغة في أرقام الضحايا لجمع تبرعات أكثر، وتنبه الكاتبة إلى أن هذه التغطية تعزز التعميم والصور النمطية حول الصوماليين والجوع في إفريقيا، وتتناول الكاتبة أحداث 2006 والتدخل الإثيوبي لإسقاط المحاكم الإسلامية كمثال آخر على الفهم الخاطئ لواقع الصومال، وترى الكاتبة أن القوى الدولية كان يمكنها تجنب الخسائر التي نتجت عن التدخل الإثيوبي عبر قبول المحاكم الإسلامية، وتشير الكاتبة إلى سوء الفهم الذي أدى إلى التصعيد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، مما أسفر عن ظهور حركةالشباب وتنامي التطرف في الصومال.

في الفصلين الخامس والسادس، تتطرق الكاتبة إلى دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الصومال وكيف أثّرت سياساتهم على الوضع الراهن، وتنتقد الكاتبة الأمم المتحدة بسبب تقديم المساعدات بشكل عشوائي وعدم تنسيق الجهود المبذولة لمعالجة قضايا الصومال الأساسية، وتشير الكاتبة إلى أن هذه السياسات أدت إلى تفشي الفساد وتجنب المسؤولية، وتبين الكاتبة أن المجتمع الدولي يتجاهل مشاكل الصومال الأساسية ويقتصر على التعامل مع الأعراض مثل القراصنة والتطرف.

تختتم الكاتبة بتأكيد على ضرورة إعادة النظر في الفهم الغربي للصومال والتأقلم مع الواقع المعقد للبلاد، وتدعو الكاتبة إلى تطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع الأزمات الصومالية، مثل تعزيز الحكم المحلي والتنمية المستدامة ومكافحة التطرف، كما تعتقد الكاتبة أن إعادة النظر في الاستراتيجيات الدولية من شأنها أن تفتح المجال لإيجاد حلول عادلة ومستدامة للصومال وشعبه.

القراصنة الصامتون

في أحد فصول الكتاب، تتناول المؤلفة موضوع القراصنة الذي لاقى اهتماماً كبيراً على مستوى العالم، وتحلل المؤلفة أسباب ظهور القراصنة وتقدم شهادات متنوعة من الأفراد المتورطين في عمليات قرصنة السفن التجارية، وتركز المؤلفة على دور شركات قراصنة الموارد البحرية من آسيا وأوروبا وأفريقيا، التي تستهدف نهب الموارد البحرية الغنية في الصومال بسبب غياب الحماية، وتشير التقديرات إلى أن السفن الأجنبية تنهب موارد تتراوح قيمتها بين 150 مليون و450 مليون دولار سنوياً، وتتطرق المؤلفة أيضاً للدور السلبي للشركات النووية التي تبحث عن أراضٍ غير محمية للتخلص من القمامة الفائضة والنفايات السامة.

يعتبر معظم الأشخاص الذين التقتهم المؤلفة أنفسهم مدافعين عن مياههم ضد السفن الغازية ولا يقبلون تصنيفهم كقراصنة، ومع ذلك نشأت صناعة خطف السفن التجارية في خليج عدن والمحيط الهندي، حيث يحتجز القراصنة طواقم السفن كرهائن ويطلبون فدية مقابل إطلاق سراحهم، وهذا هو نوع القراصنة الذي يركز عليه الإعلام الغربي، وتظل المؤلفة إيجابية حول بعض الجوانب في الدولة التي تعتبر “فاشلة” منذ فترة طويلة، حيث تتحدث عن أشكال بديلة من العدالة والتعليم والاقتصاد التي طورها الصوماليون بدون دعم الدولة، كما تتناول أيضاً خدمات الإنترنت وشركات الاتصالات التي تعتبر من بين أرخص الأسعار في أفريقيا.

ترى المؤلفة أن العالم يغفل عن تجربة “صوماليلاند”، الدولة ذاتية الإعلان، التي تعامل العالم معها بشكل غير مناسب وغير متفهم، ومؤخراً قامت ماري هاربر، الصحافية في بي بي سي ومؤلفة كتاب “هل يفهم العالم الصومال بشكل خاطئ؟”، بتقديم برنامج ثقافي حول الشاعر الصومالي محمد ورسمه هدراوي على قناة بي بي سي فور، ويحمل البرنامج عنوان “هدراوي: شكسبير الصوماليين”، وهو ما يعكس تكتيكاً شائعاً لمقارنة الأدباء والفنانين الشرقيين بنظرائهم الأوروبيين لإضفاء قيمة على أعمالهم.

هذا التوجه يذكرنا بأفكار عبد الفتاح كيليطو المطروحة في كتابه “لن تتكلم لغتي”، حيث يشير إلى أن هذا التماثل المفروض يمكن أن يؤدي إلى تقليل القيمة الحقيقية للأعمال الشرقية وتبسيطها عند محاولة فهمها من خلال عدسة ثقافية أخرى، ويمثل البرنامج حول هدراوي مثالاً على هذا التماثل، حيث يُقدم الشاعر الصومالي كما لو كان نظيرًا لشكسبير الأوروبي، وعلى الرغم من النوايا الحسنة وراء هذه المقارنة، يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على فهمنا للأعمال الفنية والثقافية الشرقية وقيمتها الفريدة.

من الأفضل تقدير هؤلاء الفنانين والأدباء على أساس مساهماتهم وتأثيرهم الخاص داخل ثقافاتهم ومجتمعاتهم، بدلاً من الاعتماد على مقارنات مبسطة قد تؤدي إلى التقليل من أهميتهم الحقيقية، في هذا السياق يجب على الإعلام والمؤسسات الثقافية والتعليمية توسيع نطاق دراستهم وتغطيتهم للثقافات المتنوعة والأعمال الفنية والأدبية الشرقية بشكل أكثر توازناً واحتراماً، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الالتزام بتقديم المعلومات والتحليلات بشكل دقيق وموضوعي، والتأكيد على القيمة الفنية والثقافية المستقلة لهذه الأعمال.

فمثلاً بدلاً من تقديم الشاعر الصومالي محمد ورسمه هدراوي كشكسبير الصوماليين، يمكن إلقاء الضوء على إبداعاته وتأثيره الفعلي على الثقافة الصومالية وتراثها الأدبي، بالإضافة إلى معرفة الجمهور بالقضايا الاجتماعية والسياسية التي يتناولها في شعره، وهذا النهج يمكن أن يسهم في نشر فهم أعمق وأكثر تعقيداً للثقافات الشرقية ويعزز التقدير المتبادل بين الثقافات المختلفة.

بهذا النهج يمكن للإعلام والمؤسسات الثقافية المساهمة في تعزيز التعايش الثقافي والتفاهم المتبادل بين المجتمعات المتنوعة، ويمكن أن يساعد ذلك في مواجهة التحيزات والتنميطات السلبية المتعلقة بالثقافات الشرقية ويعكس صورة أكثر إشراقاً وتنوعاً للعالم الذي نعيش فيه. في النهاية، يتطلب تحقيق هذه الغاية تعاوناً بين جميع الأطراف المعنية للعمل على تعزيز الفهم المشترك واحترام التنوع الثقافي والإبداعي.

الخاتمة

من الواضح أن الصورة النمطية للصومال تحمل في طياتها العديد من التحيزات والتنميطات التي تظلم البلد وتجعله يبدو وكأنه لا يوجد به شيء سوى الفقر والحروب والفشل، إن الكاتبة ماري هاربر تتيح لنا من خلال كتابها فرصة للتعرف على الصومال الحقيقي والعمق الثقافي والتاريخي الذي يمتلكه الشعب الصومالي، ولإعادة بناء صورة أكثر دقة وشمولية عن الصومال، يجب على الإعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية التركيز على تسليط الضوء على جوانب أخرى من هذا البلد الرائع، بدلاً من التمسك بالتصوير المبتذل والتنميطي الذي تم توظيفه لسنوات طويلة.

إقرا المزيد:

اظهر المزيد

savannahafrican

فريق التحرير موقع سافانا الثقافي
زر الذهاب إلى الأعلى