سافانا الثقافي – هجرة العقول في الصومال، ظاهرة الهجرة ظاهرة قديمة قدم التاريخ فمنذ المجتمعات المشاعيّة الأولى حيث كان الإنسان ينتقل بحثًا عن التقاط قوت يومه، وأصبحت عصبًا رئيسًا في حياة المجتمعات الرعوية التي اعتمدت حياتها على الحل والترحال بحثًا عن الكلأ والماء، وفي العصور الحديثة لعبت الكوارث البيئية والحروب الدور الأساسي في الهجرة التي تسمى قسرية حيث تفرض غريزة البقاء على الإنسان أن يهجر موطنه بحثًا عن حياة آمنة، وثمة نوع آخر من الهجرة عرف بالهجرة الطوعية حيث يضطر المرء لمغادرة بلاده بحثًا عن حياة آمنة، ومستوى معيشي أفضل ولعلّ أخطر أنواع هذه الهجرة الطوعية على الموطن الأم هو هجرة العقول التي تستنزف طاقات البلاد الفكرية والعقلية والإبداعية التي يعول عليها في تنميته البلاد وتطورها وتعد الصومال واحدة من تلك المواطن التي يصح أن تكون نموذجاً لتلك الهجرة.
هجرة العقول في الصومال
الصومال من الدول التي تعاني نقصاً في الموارد، وذات دخل ضعيف للفرد، ناهيك عن الحروب التي قصمت ظهرها وقد أدى ذلك إلى هجرة كثير من أبنائها إلى دول أخرى للبحث عن حياة أفضل وفرص عمل أوفر، وتشمل تلك الهجرة الفئة العلمية والأكاديمية، وهو ما يؤثر بشكل كبير على التنمية العلمية والتقنية في الصومال، حيث يترك هؤلاء الأفراد فراغا كبيرا في المجالات التي كانوا يعملون فيها، كما يؤثر ذلك على القدرة التنافسية للصومال في سوق العمل العالمي.
إضافة إلى ذلك تعاني الصومال أيضا من نقص في التعليم والتدريب، وهذا يؤدي إلى عدم توفر الكوادر المؤهلة في مختلف المجالات، مما يجعل العديد من الأفراد يبحثون عن فرص العمل والتعليم في الدول الأخرى، والأستاذ محمد سليمان الذي كان عميدًا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في احدى جامعات العاصمة الصومالية مقديشو، هو واحد من الأمثلة الكثيرة على على أولئك الذين لم تعد لهم القدرة على تحمّل العيش والعمل في بلده لما يعانيه من ضيق الحال، ومن عراقيل تشلّ كل نشاط يعتزمون القيام به، ومنهم الدكتور عبد العزيز مرفل الذي هاجر إلى كندا ملتحقًا بالعديد من أهله وأصدقائه، ومن أمثال هؤلاء الكثير من رموز النخبة الصومالية فرّوا من البلاد في الحروب التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية.
تداعيات هجرة العقول
يقول الأستاذ روبلي علي الذي يعمل أستاذا في مدرسة حمر ججب بمقديشو بأن استمرار هجرة العقول سيقود الصومال إلى الشلل التام في جميع المجالات لتجد حكومة الصومال نفسها عاجزة تمامًا عن إدارة شؤون الدولة، وبسبب هجرة العقول، تعاني حكومة الصومال من مصاعب وعراقيل كثيرة تتصل بتسيير شؤون الدولة وإدارتها على جميع المستويات، وأكبر المجالات تضررًا من هجرة العقول هي الصحة، والتعليم، والأمن، والقضاء.
وتواجه حكومة الصومال مصاعب أخرى متصلة بالجفاف، والمجاعة التي تضرب مناطق مختلفة من البلاد، وبانعدام الأمن ببعض المناطق، وأصبح الأطباء والمثقفون يتجنبون التجمعات خوفا من التفجيرات التي تقوم بها جماعة الخوارج حركة الشباب، فيما يوكل الأمر اليوم لإدارة الدولة إلى شبه متعلمين وجهلاء يستولون على مقاليد الحكم وإدارة البلاد، والطامة الكبرى أن يتم ذلك عبر تعيينات من قبل العشائر وليس للتعليم أي نظر، فيكون التوظيف فقط بالعشيرة وتكون الصومال اليوم بذلك قد حفرت قبرها بنفسها لأن إدارة الدول لا تتم بالواسطات والعقول المتخلفة التي لا علاقة لها بالواقع لا من قريب ولا من بعيد.
ويقول الدكتور عبد العزيز مرفل محاولا الإحاطة بأسباب هجرة العقول من الصومال: إن هؤلاء الانتهازيين من حركة الشباب الخوارج لا هدف لهم سوى تدمير المؤسسات التربوية والجامعية وغيرها. لذلك فضّل الكثير من الأساتذة والأكاديميين الفرار من البلاد، وجل هؤلاء كانوا قد تخرّجوا من جامعات غربية أوروبية وأميركية.
وكان تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر عام 2022 قد أشار إلى وجود عجز في الكوادر الطبية في أفريقيا، ويقول التقرير إن الدول الغنية تستفيد ماديا من توظيف الأطباء الأفارقة، وذكر أن الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وفرّت على نفسها من جراء ذلك حوالي 4.5 مليارات دولار، وحثّ التقرير الدول الغنية على تعويض الدول الفقيرة عن هجرة الأطباء إليها.
رؤى وتطلعات
ومن أجل مواجهة ظاهرة هجرة العقول، يجب على الصومال العمل على تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وتوفير فرص العمل والتعليم المناسبة لجميع الأفراد، وتعزيز البنية التحتية للصناعات والمؤسسات العلمية والتقنية، وتشجيع الاستثمار في هذه المجالات، وبهذه الطريقة يمكن للصومال أن تحد من ظاهرة هجرة العقول وتحقيق التنمية الشاملة التي تساهم في تعزيز القدرة التنافسية للبلاد في سوق العمل العالمي وتحسين مستوى الحياة للمواطنين.
إقرا المزيد: