خصص الاتحاد الأفريقي عام 2024 عاما للتعليم، مؤكدا على تفاني القارة في تحقيق التقدم التعليمي ومنذ حقبة الاستقلال في ستينيات القرن الماضي، كان الالتزام الثابت بالتعليم بمثابة علامة على تقدم أفريقيا، واليوم هناك حاجة ملحة لتعزيز هذا الالتزام، لأنه يحمل القدرة على تحويل أفريقيا إلى قوة عالمية في القرن الحادي والعشرين وإن ضمان التعليم الجيد من خلال التمويل الكافي أمر ضروري لتزويد أطفال القارة بالمعرفة والمهارات الضرورية لتحقيق النجاح في المستقبل.
رؤية نيلسون مانديلا للتعليم
لقد أدرك زعيم جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا الأهمية الأساسية للتعليم، حيث قال في عبارته الشهيرة: “التعليم هو أقوى سلاح يمكننا استخدامه لتغيير العالم” وشدد مانديلا على أن خلق عالم يتلقى فيه كل طفل تعليما جيدا هو في متناول البشرية، وسلط الضوء على الخيال المحدود لأولئك الذين يشككون في هذا الاحتمال.
كما إن أفريقيا بسكانها الشباب ومواردها الطبيعية الوفيرة، وتركيزها على الطاقة الخضراء، لديها القدرة على قيادة التنمية العالمية، فهي تمثل القارة الأحدث سنا والأسرع نموا على مستوى العالم، حيث تشكل حاليا 14% من سكان العالم في سن العمل ــ وهو الرقم من المتوقع أن يرتفع إلى 42% بحلول نهاية هذا القرن ويلعب التعليم دوراً محورياً في تمكين شباب أفريقيا لكي يصبحوا قوة هائلة في دفع عجلة التقدم.
التقدم والانتكاسات في التعليم
على مدار العقود الستة الماضية، خطت أفريقيا خطوات كبيرة في مجال التعليم، مع زيادة معدلات إتمام الدراسة الابتدائية من 52% إلى 67% بين عامي 2000 و2022 وكان هناك أيضا ارتفاع ملحوظ في عدد طلاب الدراسات العليا، حيث ارتفع من أقل من 800 ألف طالب في عام 1970 إلى أكثر من 17 مليون اليوم ومع ذلك، فقد أدى تصاعد الصراعات والكوارث المناخية وضغوط الديون إلى انتكاسات، مما أدى إلى تراجع بعض المكاسب التي تحققت في العقود الأخيرة.
استمرار الفوارق التعليمية في القارة
على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال النتائج التعليمية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا متخلفة عن تلك الموجودة في الأسواق الناشئة وغيرها من الاقتصادات النامية وما يقرب من ثلاثة من كل عشرة أطفال في سن المدرسة في أفريقيا لا يحصلون على التعليم ويبلغ معدل إتمام الدراسة الابتدائية حوالي 65%، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 87% علاوة على ذلك، فإن أقل من 20% من الأطفال في المنطقة يستوفون الحد الأدنى من مستوى الكفاءة الذي حددته الأمم المتحدة في الرياضيات أو القراءة.
معالجة القضايا الرئيسية في التعليم
إحدى العقبات الرئيسية أمام التعليم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي ندرة المعلمين المدربين ويفتقر العديد من المعلمين الحاليين إلى المؤهلات الكافية، كما أن الوصول إلى برامج التطوير المهني محدود ويؤدي عدم كفاءة الميزانيات الوطنية إلى تفاقم هذا التحدي وقبل أزمة كوفيد-19، كان نحو 20% فقط من حكومات أفريقيا تستوفي المعايير الدولية للإنفاق على التعليم، ومنذ عام 2020، تقلصت ميزانيات التعليم في ما يقرب من نصف البلدان منخفضة الدخل بنسبة 14% في المتوسط.
الجهود المبذولة لتحسين الإنفاق على التعليم
في حين أن زيادة الإنفاق على التعليم أمر بالغ الأهمية لتحسين الوصول إلى الخدمات، فمن المهم بنفس القدر ضمان استخدام الأموال بكفاءة ولقد كلف الإنفاق غير الفعال في التعليم والبنية التحتية أفريقيا أكثر من 40 مليار دولار سنويا بين عامي 2000 و 2017، ويتعين على القادة الحكوميين وصناع السياسات أن يبتكروا في دفع أجندات السياسات الاجتماعية وتحسين الإنفاق العام لمعالجة الفقر وعدم المساواة بشكل فعال.
دعم أهداف التنمية المستدامة من خلال التعليم
ومن الممكن أن يساهم التعليم الميسر، وخاصة للفئات المهمشة، بشكل كبير في الحد من عدم المساواة والفقر مع تعزيز فرص العمل والتنمية الشاملة وإن تزويد الأفراد بالمهارات والمعارف يمكّنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة والسعي من أجل حياة أكثر صحة، وتعزيز التنمية المستدامة.
ولإعداد القوى العاملة لوظائف المستقبل، يجب أن يتماشى التعليم مع المهارات القابلة للتوظيف وفي الوقت الحالي، يشعر العديد من الشباب الأفارقة أن مهاراتهم لا تتناسب مع احتياجات العمالة المحلية، ويمكن لبرامج التعليم والتدريب الفني والمهني أن تعزز مهارات العمال الذين قد يفتقرون إلى التعليم التقليدي، مما يوفر لهم فرص العمل المناسبة لقدراتهم.
مكاسب اقتصادية طويلة المدى من الاستثمار في التعليم
ويحقق الاستثمار في التعليم فوائد اقتصادية واضحة طويلة الأجل تفوق تكاليفه بكثير وتؤدي زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم إلى مكاسب اقتصادية مثل تعزيز الإنتاجية وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، ويتعين على حكومات دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا إعطاء الأولوية لحماية ميزانيات التعليم وتنفيذ أفضل الممارسات في الإدارة المالية العامة لتعزيز الإيرادات المحلية وضمان كفاءة الإنفاق.
الجهود التعاونية من أجل التنمية المستدامة
ينبغي للقرارات أن تحافظ على دعم تمويل التعليم أو توسعه في جميع أنحاء المنطقة وسيساعد هذا الدعم على تنمية قوة عمل منتجة ضرورية لشيخوخة سكان العالم ووضع المنطقة كمحرك رئيسي للاستهلاك العالمي والطلب على الاستثمار، ومن خلال تنفيذ سياسات التعليم الأمثل، تستطيع منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا جذب استثمارات طويلة الأجل في التكنولوجيا والمعرفة، وتوفير المزيد من الفرص لشبابها وإعدادهم بشكل أفضل للمستقبل.
إقرا المزيد: