
سافانا الثقافي:”20 مبدعًا أفريقيًا شابًا يعيدون رسم ملامح القارة “منذ عقود طويلة، ظلّ الفن الأفريقي يُقرأ من خارج حدوده، يُختصر في رموز فولكلورية أو يُختزل في صورة ضبابية صنعتها المؤسسات الغربية. كان يُنظر إلى القارة وكأنها مصدر للمواد الخام فقط، سواء كانت معادن أو قصص أو حتى وجوه بشرية، بينما السردية الكبرى يكتبها آخرون. لكن اليوم، في قلب القرن الحادي والعشرين، تنهض موجة شابة من المبدعين الذين يرفضون أن يكونوا انعكاسًا لعين الآخر. إنهم يصنعون صورهم وأصواتهم بأنفسهم، يكتبون أفريقيا من الداخل، لا بوصفها قارة “نامية” بل باعتبارها مختبرًا حيًا للخيال.
هؤلاء الفنانون الشباب ــ من نيجيريا وغانا والكاميرون وإثيوبيا وكينيا، ومن موزمبيق إلى جنوب أفريقيا، ومن الشتات الأفريقي في باريس ونيويورك ولندن ــ لا يقدّمون مجرد أعمال معزولة، بل يطرحون أسئلة عميقة: ما معنى أن تكون أفريقيًا اليوم؟ كيف يمكن للجمال أن يكون فعل مقاومة؟ أين تبدأ الذاكرة وأين ينتهي الحاضر؟ إنهم عشرون صوتًا مختلفًا، لكنهم جميعًا ينتمون إلى لحظة واحدة: لحظة استعادة أفريقيا لحقها في أن تُرى كما تريد هي، لا كما يُراد لها أن تُرى.
فيما يلي بورتريه مطوّل لعشرين مبدعًا أفريقيًا يعيدون رسم صورة القارة ويكتبون، كلٌ بطريقته، فصلًا جديدًا من تاريخها الفني.
1. أوغوتشوكوو إيميبيريدو – نيجيريا
في مدينته لاغوس، حيث يختلط ضجيج الأسواق بأصوات البحر، خرج أوغوتشوكوو إيميبيريدو بكاميرته ليصوّر الحياة كما هي: صادقة، حادة، مليئة بالحب. لم يدخل عالم التصوير بدافع الشهرة أو المنافسة، بل قال ببساطة: “بدأت التصوير لأتنفس”. وكأن الصورة عنده ليست فناً بقدر ما هي ضرورة وجودية. عدسته تلتقط الباعة في الأسواق، المصلين في المساجد، الشباب على الشواطئ، النساء في غرف النوم، وتُحوّل هذه المشاهد اليومية إلى شهادة بصرية على زمن بأكمله. حصل على جوائز محلية ودولية، لكن الأهم أنه أعاد تعريف علاقة الكاميرا بالمدينة: الكاميرا ليست مجرد عين، بل رئة.

2. كواكو يارو
في أكرا، يرسم كواكو يارو لوحاته على حصائر بلاستيكية، مستخدمًا الأكريليك وأقمشة “غانا موست غو” الشهيرة. يلتقط من المواد البسيطة أصالةً تجعل أعماله تنبض بطاقة شعبية لا يمكن تقليدها. يارو لا يؤمن أن الفن يجب أن يولد في محترفات فاخرة أو فوق كانفاسات مستوردة، بل يرى أن الخامة الشعبية تحمل في طياتها روح المكان. أعماله جابت معارض غانا ونيجيريا ودبي ولندن، وكان صداها واحدًا: هذا فن يخرج من الشارع ليلامس العالم. إنه يضعنا أمام سؤال: ما الذي يمكن أن يصنعه فنان حين تكون مواده متواضعة لكن خياله بلا حدود.
3. توني غام
توني غام بدأت كما يبدأ كثيرون: صور سيلفي على إنستغرام. لكنها سرعان ما كسرت هذا الإطار لتصبح من أبرز المصورين في جنوب أفريقيا. صورها تلعب على حافة السريالية، تضع الجسد الأنثوي الأسود في مركز العمل، محمّلًا بالرموز والزينة، ليصبح أيقونة جمال وتمرد في آن. فازت بجائزة دولية في ميامي، وعُرضت أعمالها في كيب تاون ونيويورك، لكن أهم ما فعلته هو أنها أعادت صياغة معنى الجمال: ليس انعكاسًا لمعايير مفروضة، بل فعل مقاومة فني ضد الاختزال.

4. ويليام باكايمو
من شمال الكاميرون، يطلّ ويليام باكايمو بلوحات مأهولة بالرموز: سحالي وأشجار ونباتات تتحرك في فضاء سحري، كأنها كائنات من أسطورة قديمة. لوحاته ليست مجرد أشكال غريبة، بل دعوة إلى التفكير في معنى الأسطورة نفسها: كيف تعيش داخلنا؟ كيف نعيد اختراعها؟ درس الفنون الجميلة وشارك في ورش داخل وخارج أفريقيا، ليؤكد أن الفن ليس زينة بل رحلة روحية عبر الذاكرة الجمعية.
5. جدعون أباه
جدعون أباه يرسم كما يكتب شاعر قصيدة سريالية. لوحاته تجمع بين الذكريات الشخصية والأرشيف الاستعماري والسينما الشعبية والرموز الدينية، لتخلق عوالم غير مستقرة بين الحلم والواقع. في أعماله، لا يعود الماضي شيئًا منتهيًا، بل قوة حاضرة تستدعي الحاضر نفسه للتفاوض. عرض أعماله في نيويورك وتورونتو وأكرا، واقتنتها متاحف مرموقة. إنه فنان يتعامل مع اللوحة كمسرح تُعرض عليه الذاكرة في صور متكسّرة.
6. ويني كيرابو
ويني كيرابو مصممة أزياء ترى أن الموضة ليست ترفًا بل لغة سياسية. أزياؤها، التي حصدت جوائز مرموقة، تمزج بين الدقة الأوروبية والروح الأفريقية، لتصنع أناقة أنثوية قوية، كأنها تقول: يمكن للثوب أن يكون خطابًا عن الحرية بقدر ما هو قطعة قماش. تتعاون مع فنانين وموسيقيين وتحوّل المنصة إلى مسرح ثقافي، حيث الجسد ليس عارضًا للثياب فقط، بل حاملًا لهوية متجذّرة.
7. إيمانويل نديفو
الرقص عند إيمانويل نديفو ليس حركات منسّقة، بل نص سياسي وجمالي. جسده يسأل: ما معنى أن تكون رجلاً في مجتمع عنيف؟ كيف تُكتب الذكورة في الذاكرة؟ تنقّل بين مدن أفريقية وأوروبية ليقدّم عروضًا مفاهيمية تربط الجسد بالفضاء، بالحركة، بالغياب. إنه يستخدم الجسد كأداة مقاومة وكمرآة مفتوحة للمجتمع.
8. كاسي نامودا
في لوحاتها التصويرية، تُبحر كاسي نامودا في مناطق رمادية بين الحلم والواقع. شخصياتها تبكي وتحتضن وتغوص في المياه، وكأنها تبحث عن خلاصٍ لا يأتي. ولدت في موزمبيق وعاشت متنقلة بين مدن العالم، لكن ظلال الاستعمار ما زالت تظهر في أعمالها كأشباح تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية. عُرضت أعمالها في نيويورك وميامي ولندن، لتصبح صوتًا عالميًا يعكس هشاشة وعمق التجربة الأفريقية في المهجر.


سافرت الفنانة المولودة في موزمبيق، والمقيمة الآن بين نيويورك ولوس أنجلوس، كثيرًا عندما كانت طفلة وتستخرج تجاربها الخاصة عبر الثقافات من أجل المواد.
درست نامودا التصوير السينمائي في أكاديمية الفنون بجامعة سان فرانسيسكو، وبعد معرضها الأول في عام 2017، اكتسبت بسرعة جذبًا بين هواة جمع الأعمال الفنية وأمناء المعارض. وقد عرضت منذ ذلك الحين في صالات العرض في ديترويت ولوس أنجلوس ونيويورك وميامي ولندن وجوهانسبرج. المؤسسات بما في ذلك متحف بيريز للفنون في ميامي، وMACAAL في مراكش، ومتحف الاستوديو في هارلم، حصلت جميعها على أعمالها لمجموعاتها.
9. شيلا تشوكوولوزي
الجسد هو المسرح عند شيلا تشوكوولوزي. فنانة أداء ووسائط متعددة تستخدم جسدها لتعيد التفكير في التاريخ والأسطورة. تمدد الجسد، تحطمه، تعيد بناءه، ليصبح لوحة حيّة تُعرض أمام الجمهور. زارت بلدانًا أفريقية لدراسة تقاليد الأقنعة والأنسجة، وتحوّل هذا البحث الأنثروبولوجي إلى مادة جمالية في عروضها. أعمالها ليست مجرد فن، بل فلسفة تُكتب بلغة الجسد.
10. يمي فاجبوهونجبي
يمي فاجبوهونجبي نحات ومعماري يصوغ البرونز بخطوط رشيقة تلتقط جوهر الطموح الإنساني. أعماله البرونزية ليست تماثيل جامدة، بل كائنات مشبعة بالطموح، بالثبات، بالصلابة. إنها تذكّرنا أن الفن قد يُكتب في المعدن كما يُكتب في القصيدة. في معرضه “Blaque”، دعا الأفارقة أن يبحثوا عن عظمتهم في أعماقهم، لا في الخارج.


11. نائلة أوبيانغاه
لوحاتها تجعل الجسد الأنثوي الأسود بؤرة الضوء. نساء عاريات، قوية وهشّة في الوقت ذاته، يرسمهن بلمسات بين التجريد والتصوير، ليصبحن أكثر من موضوع فني: يصبحن سؤالًا فلسفيًا عن الأنوثة والهوية. أعمالها عُرضت في أكرا وشيكاغو ونيويورك، وجعلت من اسمها مرادفًا لفن لا يخشى مواجهة الأسئلة الصعبة.

12. رودا تشوكوكام
عدستها هادئة مثل صلاة فجر. تلتقط الضوء والظل كما لو كانت تكتب قصيدة بصرية. صورها لا تُقرأ بسرعة، بل تحتاج إلى صبر. إنها صور صامتة لكنها تقول الكثير عن الذاكرة والجمال والانتظار. تنقلت بعدستها بين الكاميرون وجزر الكاريبي وأفريقيا، وخلقت أرشيفًا بصريًا بطيئًا في عالم يركض.
13. أمارتي أرمار
مخرج سينمائي يحمل في أفلامه صراع الهوية والانتماء. عاش متنقلًا بين غانا وأميركا، فصار موضوع الهجرة حاضرًا في كل أعماله. فيلمه القصير Vagabond فاز بجائزة مؤهلة للأوسكار، وجعل اسمه يتردد في المهرجانات العالمية. السينما عنده ليست مجرد حكاية، بل مساحة للتفاوض بين وطنين: واحد في الذاكرة، وآخر في الجواز.
14. شيغوزي أوبي
شيغوزي أوبي فنانة بصرية شابة جعلت من الجسد ومعايير الجمال محور أعمالها. لوحاتها تناقش كيف يؤثر المجتمع في صورة المرأة عن نفسها، وكيف يمكن للفن أن يكون مساحة للمصالحة. حصدت جوائز دولية، لكن ما يميزها هو جرأتها في طرح أسئلة تتجنبها الثقافات: من يملك الحق في تعريف الجمال؟
15. أوليفر أوكولو
أوليفر أوكولو يواجه تاريخ الفن الغربي من قلب نيجيريا. يرسم بورتريهات سوداء بالفحم والدهانات، يضعها في مواجهة مباشرة مع لوحات عصر النهضة. أعماله تقول بوضوح: لسنا موضوعًا لرسم الآخرين، نحن من يرسم أنفسنا. عرض أعماله في أوروبا وأفريقيا، وأصبح اسمه رمزًا لطليعة جديدة من الرسامين السود.

16. إيما بريمبه
لوحاتها بألوان ترابية داكنة كأنها مقتطعة من أرض رطبة بعد مطر غزير. ترسم العائلة والذاكرة والهوية، لكنها لا تكتفي باللوحة، بل تدخل في تجارب بالصورة المتحركة. حصلت على جوائز عدة، وأصبحت واحدة من أبرز الأسماء في المشهد اللندني. أعمالها ليست مجرد صور، بل محاولة لالتقاط عبء الذاكرة على الجسد.
17. داويت سيتو
مصمم رقصات إثيوبي يعيد اختراع لغة الحركة. طور تقنية اسمها Vocab مستوحاة من الرقصات الشعبية الإثيوبية، ليخلق منها لغة جديدة للجسد. عمله ليس ترفيهًا، بل بحث في كيف يمكن للجسد أن يكتب تاريخًا مغايرًا، وأن يمنح الصوت لأولئك الذين لم يُسمعوا من قبل.
18. أديزي أوكارو
أديزي أوكارو مصور يعيدنا إلى ألبومات العائلة وصور الطفولة. بعدسته، يتحول الأرشيف الشخصي إلى مادة فنية. يستلهم من سينما نوليوود ليصوغ صورًا حميمية، لكنها في الوقت نفسه عالمية. أعماله ظهرت في Vogue وGetty Images، لتؤكد أن التفاصيل الصغيرة يمكن أن تكون مفتاحًا لخطاب عالمي.
19. كاتونجولو مويندوا
كاتونجولو مصممة أزياء من نيروبي أسست علامة كاتوش التي تمزج التراث بالحداثة. تصاميمها بسيطة، أنيقة، عابرة للزمن. قدّمت أعمالها في نيويورك، لتؤكد أن الموضة الأفريقية ليست تقليدية أو محلية، بل عالمية وقادرة على أن تقف بثقة في قلب العواصم الكبرى.
20.نيو بايبي
نيو بايبي مصور من جوهانسبرغ يصرّ على أن الفرح ليس ترفًا بل حق إنساني. صوره ملونة، مبهجة، حميمية، تضع الإنسان في مركزها بكل حيويته. حصل على عمولات من شركات كبرى مثل Netflix، لكن ما يميزه حقًا هو إصراره على أن البهجة نفسها فعل سياسي وجمالي.
خاتمة
هؤلاء العشرون ليسوا قائمة مغلقة ولا تمثيلًا كاملًا للمشهد الأفريقي، لكنهم مرآة لزمن يتغير. زمن لم تعد فيه أفريقيا تنتظر أن تُرى بعيون الآخرين، بل تصنع صورها بنفسها، وتقدمها للعالم بكل ثقة. من التصوير إلى الرسم، من الرقص إلى الأزياء، من السينما إلى النحت، هناك خيط مشترك: إرادة صلبة لصياغة لغة جديدة، لغة تقول إن أفريقيا ليست الهامش، بل المركز، ليست الماضي، بل المستقبل.