سافانا الثقافي – صرخات من الظلام: عمالة الأطفال وجحيم الحياة في أفريقيا، واحدة من أهم المشاكل التي تحاول الدول في جميع أنحاء العالم القضاء عليها هي عمالة الأطفال، لا سيما بالنظر إلى مدى تأثيرها السلبي على الأجيال القادمة ونتيجة لذلك، تم تنظيم العديد من المؤتمرات، وتم التوصل إلى العديد من الاتفاقيات، وتم وضع العديد من القوانين وفقًا للتعهدات التي تم التعهد بها على المستوى الوطني والدولي لوقف عمل الأطفال.
ومن المؤسف أن المشكلة لا تزال خارج نطاق السيطرة، وخاصة في أفريقيا، التي لا تعتمد على أعلى معدلات تشغيل العمالة ولكن نتيجة لتأثير الأزمات الاقتصادية اللاحقة والاضطرابات السياسية والصراعات والحروب التي شهدتها بعض دولها، أصبحت الظاهرة أشد خطورة مما كانت عليه في الماضي، بالإضافة إلى ذلك، فقد أوقف التقدم الذي حققته بعض الدول الأفريقية في جهودها لمكافحة أسوأ أنواع عمل الأطفال من خلال السياسات والممارسات التي وضعتها وذلك لأن المزيد من الأطفال يتم تجنيدهم واستغلالهم من قبل الجماعات المسلحة في دول القارة.
كما تجبر بعض هذه الدول الأطفال على الانخراط في أنشطة مرتبطة بالنزاعات المسلحة، مثل تهريب البضائع عبر الحدود، وفقاً للتقديرات العالمية، فإن أفريقيا هي المنطقة التي تشهد أكبر نسبة من عمالة الأطفال، حيث تضم أعلى نسبة (9%)، مقارنة بالمعدلات العالمية، للأطفال المنخرطين في أعمال خطرة من المتوقع أن ينضم نحو 72 مليون طفل أفريقي إلى القوى العاملة، 32 مليون منهم يعملون في مهن خطيرة، ويعمل غالبيتهم في التعدين والزراعة.
عمالة الأطفال وجحيم الحياة في أفريقيا
وفقا لبحث أجرته المنظمة الدولية لإنقاذ الأطفال، فإن جنوب السودان وتشاد والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والنيجر وأنغولا هي الدول التي تعتبر الأكثر خطورة على الأطفال، وإن حقيقة أن الأطفال من كارتون يعملون في صناعات خطيرة مثل تعدين الذهب، وتصنيع الكاكاو، ورش المبيدات الحشرية في غانا، أثارت إعجاب وزارة العمل الأمريكية، في تقريرها لعام 2010، قدرت وزارة العمل الأمريكية أن 32% أو أكثر من سكان كينيا البالغ عددهم 2.9 مليون نسمة هم تحت سن الرابعة عشرة، ومنذ ذلك الحين شهدوا البدايات غير الرسمية لعمل الأطفال، من صيد الزبالين إلى جميع مبيعات الحديد الخردة والزجاج.
ويعتقد أن متوسط عمر الأطفال الزامبيين الذين يعملون بين 5 و14 سنة يبلغ حوالي 33%، وكثيرا ما يستخدم الأطفال في استخراج العقيق والتورمالين والجمشت والزبرجد والزمرد في أماكن خطرة، ويقوم الأطفال أيضًا بالتنقيب عن النحاس والزنك وخام الرصاص دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة لإيذاء أجسادهم ووجوههم وأعينهم، كما هو الحال في الاتجار بالأطفال لأغراض مماثلة، ولنتأمل هنا العمل الدولي: مزارع البن المخصصة للأطفال في كولومبيا، وتنزانيا، وكينيا، وأوغندا، والمكسيك، ومينيكاراجوا، وجمهورية دوكان، وهندوراس، وبنما، وفادور، وغينيا، وساحل العاج التي تعمل في حبوب البن من المزارع التي شهدت أسوأ معاملة والعمل الشديد والمرهق للأطفال، ما يقارب 1.5 مليون شاب، 95% منهم يقومون بأعمال خطرة، بحسب دراسة 2020 لوزارة العمل الأميركية.
أعمال خطيرة
وأشارت نينجا شاربونو من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة الأطفال إلى أن هناك متطلبات عديدة لعمالة الأطفال في أفريقيا، وتدعي أن ذلك يتطلب عملاً يتطلب جهداً بدنياً لأن غالبية الشباب يعملون في الزراعة وتربية الماشية، بينما يضطر البعض الآخر إلى العمل في تعدين الذهب والدعارة، ووفقا لها يعمل ثلاثة ملايين طفل في الصناعة وأكثر من ثمانية ملايين يعملون في قطاع الخدمات، ولا تزال غالبية عمالة الأطفال بدون أجر، وذكرت أن تزايد الفقر والعنف في العديد من الدول الأفريقية، مثل مالي والصومال والسودان، يدفع الشباب إلى المساعدة في دعم وإعالة أسرهم.
وصرح رئيس دائرة العمل والتشغيل والهجرة بوزارة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد وممثل مفوضية الاتحاد الأفريقي سابيلو مبوكازي، أن القارة الأفريقية لديها أعلى معدل لعمالة الأطفال في العالم، وتشير الإحصائيات إلى أن هناك 186 مليون طفل يعملون في القارات الست، وهناك 80 مليون منهم في أفريقيا وحدها، ويبدأون عملهم بطريقة خطيرة، ويلتحقون بالقوات المسلحة، بل ويقعون ضحية الفصائل المقاتلة، والدليل على ذلك انعدام الأمن، وسوء التغذية الاقتصادي، وبدء الصراعات العرقية والصراعات القبلية، في جمهورية أفريقيا الوسطى وحدها.
وبعد سقوط الحكومة عام 2013، باستثناء عدد الجنود حتى من الدول الأكثر استقرارًا شارك في هذا الوضع أكثر من 6000 طفل، واختطف جيش الرب الأوغندي أكثر من 30 ألف طفل في أوغندا خلال عصر فونديلا الحالي واستخدمهم كأسلحة حرب وتعذيب وقتل وتعرضت قوات الدفاع الشعبية الأوغندية لانتقادات من قبل قوات الدفاع الشعبية التابعة للأمم المتحدة لتجنيدها ما يقرب من 5000 قاصر، بينما يعتقد سابيلو مبوكازي، المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأفريقي، أن أحدث التقديرات المتعلقة بعمالة الأطفال هي بمثابة نداء تنبيه لأننا لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتعرض جيل جديد من الأطفال للخطر وحتى في مواجهة الصعوبات المالية، فإن الحماية الاجتماعية الشاملة تمكن الأسر من إبقاء أطفالها في المدارس.
وللخروج من الأزمة وإنهاء دائرة الفقر وعمالة الأطفال، يجب استثمار المزيد من الأموال في التنمية الريفية والوظائف الزراعية الجيدة، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، زاد عدد الأطفال العاملين في أفريقيا بمقدار 16.6 مليون طفل نتيجة للتوسع السكاني، والأزمات المستمرة، والفقر المدقع، وعدم كفاية سياسات الأمان الاجتماعي، وبناء على ذلك، فإن السببين الرئيسيين لعمالة الأطفال هما الفقر ونقص الفرص التعليمية، مما يسبب تشوهات نفسية لدى الأطفال، مما يزيد من ميلهم للعنف والسلوك الإجرامي مع تقدمهم في السن.
وهذا يؤدي إلى تفاقم القضايا الاجتماعية والسياسية والأمنية الموجودة بالفعل في أفريقيا، والتي من المتوقع أن يكون لها تأثير كبير على القارة، وتتأثر الصحة العقلية لهؤلاء الأطفال وقدرتهم على التسامح في المستقبل، فضلاً عن النمو الاجتماعي والأخلاقي للطفل الذي يعمل، بما في ذلك إحساسه بالهوية الجماعية وقدرته على التعاون، فضلاً عن قدرته على الحكم الأخلاقي، فهو يضعف قدرته على التمييز بين الخير والشر ويسبب مجموعة متنوعة من الاضطرابات العصبية والنفسية لدى الأفراد، ويتعرض الأطفال الذين يعملون لمجموعة متنوعة من الأضرار الجسدية، ويحد العمل من إمكانياتهم وحقوقهم المستقبلية، كما يخلق حلقة مفرغة من المرض والجهل بينهم.
تعقيدات وتحديات عمالة الأطفال
تمثل عمالة الأطفال مشكلة للأطفال اليوم وفي المستقبل، ودولهم وحضارتهم والعالم أجمع ونتيجة لذلك، أصبح من الضروري معالجة الأسباب الجذرية لهذه المشكلة والسعي إلى إيجاد حل لها، ومن أجل تحقيق أهداف وتطلعات أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 فيما يتعلق بالقضاء على جميع أشكال عمل الأطفال في القارة، وفقا للهدف 7-8 من أجندة الأمم المتحدة 2030، تم إطلاق مشاورات فنية لاحقا في أفريقيا بشأن مشروع خطة عمل الاتحاد الأفريقي لإنهاء عمالة الأطفال والاتجار بالبشر والعبودية الحديثة. ونتيجة لذلك، قامت بعض الدول، بما في ذلك كوت ديفوار، ومالي، ورواندا، بتعزيز الحماية القانونية للأطفال كما رفعت مالي الحد الأدنى لسن العمل إلى 15 عامًا ووسعت قائمة المهن الخطرة للأطفال، وعلاوة على ذلك، صدقت أغلب الحكومات الأفريقية رسمياً على اتفاقيات منظمة العمل الدولية الثلاثين.
قد يعجبك: 10 عادات وتقاليد غريبة في إفريقيا مازالت موجودة
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع على قرار يعلن عام 2021 سنة دولية للقضاء على عمل الأطفال ويطلب من منظمة العمل الدولية أن تأخذ زمام المبادرة في تنفيذه. ولدى منظمة العمل الدولية عدد من المشاريع في أفريقيا تهدف إلى القضاء على عمالة الأطفال في القارة. سيكون من الممكن مضاعفة الجهود وتحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في إنهاء جميع أنواع عمل الأطفال بحلول عام 2025 خلال السنة الدولية، كما إن خطة العمل الإقليمية العشرية، التي وافق عليها رؤساء الدول الأفريقية في قمة الاتحاد الأفريقي في فبراير 2020 ووزراء العمل والتنمية الاجتماعية في ديسمبر 2019، يجري الآن تنفيذها من قبل الاتحاد الأفريقي.
وهي خطة عمل شاملة لتحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة التي تدعو الجميع إلى التحرك الفوري والفعال لإنهاء العمل الجبري والعبودية الحديثة والاتجار بالبشر، فضلا عن تأمين حظر والقضاء على جميع أشكال استغلال الأطفال، والعمل كخطوة أولى ضرورية نحو ضمان حصول الجميع على عمل لائق، وتحقيق العمالة الكاملة والمنتجة، وتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام، ومن خلال خطة العمل، يتوصل القادة الأفارقة إلى فهم نطاق المشكلة التي يواجهونها ويفتحون الباب أمام تطورات سياسية ناجحة في العديد من الدول الأفريقية، مما سيساعد على تركيز الجهود في المنطقة نحو التقدم.
شبكات الأمان الاجتماعي للأطفال
وقد دعت منظمة العمل الدولية واليونيسف إلى توفير الحماية الاجتماعية الكافية للجميع، بما في ذلك الفوائد الشاملة للأطفال، وزيادة الإنفاق على التعليم عالي الجودة، وإعادة جميع الأطفال إلى المدرسة، بما في ذلك أولئك الذين كانوا غائبين قبل كوفيد، وتعزيز العمل اللائق للبالغين، لذلك أن لا تضطر الأسر إلى تشغيل أطفالها، من أجل عكس الاتجاه التصاعدي في عمالة الأطفال في أفريقيا والحد من مخاطرها.
الاستثمار في أنظمة حماية الطفل، والتنمية الزراعية، والخدمات العامة في المناطق الزراعية، والبنية التحتية، وسبل العيش لتعزيز دخل الأسرة ومكافحة الصور النمطية السلبية بين الجنسين والتحيز الذي يؤثر على عمالة الأطفال، ويدعو التحالف العالمي، الذي تشارك فيه اليونيسف ومنظمة العمل الدولية، الدول الأعضاء والشركات والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإقليمية والدولية إلى تكثيف جهودها في الكفاح العالمي ضد عمالة الأطفال من خلال التعهد باتخاذ إجراءات محددة كجزء من السنة الدولية للقضاء على عمل الأطفال.
طرق الحد من هذه الظواهر ومكافحتها
ولا بد من تنفيذ العديد من الأنظمة الرادعة التي تساعد على منع الاتجار بالأطفال، وتقييد وصولهم إلى عالم العمل الشاق والخطير، والتقليل من المخاطر المرتبطة بظاهرة عمل الأطفال من أجل الحد منها في أفريقيا، فمن ناحية، فهو يقيد قدرتهم على الانخراط في أعمال محفوفة بالمخاطر ويعاقب المسؤولين عن الجريمة المرتكبة ضدهم ومن ناحية أخرى، يجب علينا معالجة القضية الأساسية والبحث عن الدوافع التي تدفع الأطفال وأسرهم إلى المخاطرة وتعريض حياة أطفالهم للخطر من خلال الانخراط في مثل هذه السلوكيات. ويتم تحقيق ذلك من خلال تقديم المساعدات المالية للأسر المحرومة في الدول الأفريقية، وكذلك من خلال دعم الآباء والسعي لإطلاعهم على المخاطر التي يواجهها الأطفال نتيجة لساعات عمل والديهم الطويلة.
ومن المؤكد أن المؤسسات العامة لن تتحمل المسؤولية الكاملة عن تقديم هذه الخدمات، وبدلا من ذلك، من الضروري أن تقوم منظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية بدعم الأسر الفقيرة والعمل على انتشالها من الفقر، فضلا عن التأكيد على قيمة التعليم وتوعية الآباء والأطفال بالمخاطر المرتبطة بالتسرب بسبب أهميته الحاسمة، ودورها في الحد من هذه الظاهرة، وكذلك مساعدة الأسر قبل الأبناء على تحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي كما أن انخفاض حدة الصراعات والحروب، والذي يتسبب في زيادة أعداد النازحين واللاجئين بالإضافة إلى العدد الكبير من الأسر التي فقدت معيلها الأساسي، سيكون له تأثير كبير على إجمالي النتائج المحققة في القضاء على هذه المشكلة الخطيرة.
التعاون بين الدول والمجتمعات
ولن يتم تحقيق هذا الهدف إلا إذا كانت هناك اتفاقيات دولية عديدة وتعاون بين الدول والمجتمعات داخل الدول للمساعدة في القضاء على جميع أشكال الحروب والصراعات الداخلية والخارجية. وإذا تم تحقيق هذا الهدف، فسيكون له تأثير اجتماعي واقتصادي إيجابي على البلدان الأفريقية، ناهيك عن تقليل استغلال الأطفال من خلال منع تجنيدهم في الحرب، إن ضرورة التركيز على وسائل الحماية وإبراز الخدمات التي تقدمها المؤسسات يساعد الأطفال والأسر والمجتمعات الأفريقية على التعرف على مخاطر عمالة الأطفال الحالية والمستقبلية سواء على الأسرة أو المجتمع ككل، ومن أجل الحد من هذه الظاهرة، من المهم التركيز على تدابير الحماية وإبلاغ الأسر بخدمات الدعم التي تقدمها المؤسسات والمنظمات.
ومن أهم الأمور التي يجب مراعاتها عند محاولة إيقاف كافة المصادر والتقنيات التي من شأنها أن تعمل على زيادة معدلات عمالة الأطفال أو الحد منها هو مكافحة الفقر والقضاء على جميع أسبابه مع العمل على تحسين المجتمعات الأفريقية اقتصاديا ومساعدتها على تعلم الوسائل، ليحموا بها أنفسهم ويحافظوا على عائلاتهم من الانزلاق إلى دائرتها، ومن أجل اتخاذ خطوات في الاتجاه الصحيح وتحقيق نجاح أفضل في القضاء على هذه الظاهرة، وهذا بلا شك يدعم التعاون والشراكات بين المنظمات الاجتماعية ومقدمي الخدمات الذين تستخدمهم الحكومات الأفريقية.
وبالإضافة إلى جهود الأسرة الإفريقية في فائدتها في المساعدة على مكافحة هذه الظاهرة التي لا شك أنها لا تحلم بالأطفال وحدهم بل تنذر بأزمات كبيرة، فمن المؤكد أن المحاكم تدرك أن الحد من ظاهرة عمالة الأطفال والقضاء عليها، وأن ألف منهم لا يتناسبون بأي شكل من الأشكال مع حالتهم وصحتهم وأعمارهم، وعليه فالأمر يحتاج إلى دراسة وتعاون مع وضع خطط إصلاحية طويلة الأجل هذا فضلًا عن الاهتمام بنشر التوعية والحرص على تعليم الأطفال والعمل على دعمهم نفسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.
إقرا المزيد: