سافانا الأدب والفنسافانا مختاراتسافانا مقالات الرأى

جومو كينياتا: استكشاف حكاية منطق الفيل

سافانا الثقافي – “جومو كينياتا: استكشاف ‘حكاية منطق الفيل”، على اختلاف مراحل الزمن كان التأسي شيمة بشرية، فيقتدي بعض الناس ببعض، ويسلكون سبلا رسمها من سلف وبقيت سراجا منيرا، وقد حوت بطون الكتب عددا من القصص والأساطير التي يمكن أن ترشدنا وتعلمنا كيف نواجه التحديات ونتغلب على الصعوبات، وحتى لا نزيغ بعيدا عن هذه المقدمة فإننا نستعرض ونحن نفيض في هذا المقال قصة قائد حركة الاستقلال الكينية المبجل جومو كينياتا، التي تجسد الثقافة والتاريخ العريق لشعوب كينيا من جهة، وتعد قصته “منطق الفيل” إحدى أشهر القصص التي رواها لتكون عبرة للشعوب المستعبدة.

من هو جومو كينياتا ؟

جومو كينياتا (1897 – 1978) هو سياسي كيني بارز والرئيس الأول ورئيس وزراء كينيا. يعتبره الكثيرون بمثابة الأب المؤسس للدولة الكينية الحديثة. كان كينياتا حكيما ورجل دولة،طالما ناضل كينياتا ضد الإستعمار البريطاني وعمل على تحقيق الإستقلال لكينيا.

ولد كينياتا في قرية غاتوندو Gatundu،بمقاطعة كيانبو في كينيا.إذ ولد لأبوين من عشيرة كيكويو، وهي من أكبر القبائل في كينيا. خلال فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، بدأ كينياتا في النضال من أجل حقوق الأفريقيين في كينيا، وسرعان ما أصبح قائدًا في الحركة الوطنية.

درس جوما كينياتا الكتاب المقدس واللغة الإنجليزية وتعلم النجارة في البعثة الإسكوتلندية، وعمل فترة في منازل المستوطنين البيض بالمنطقة لدفع الرسوم الدراسية، وأكمل دراسته في البعثة الكنسية 1912. سافر إلى موسكو لدراسة الاقتصاد لكنه لم يكملها، ودرس المرحلة الجامعية في بريطانيا.

في بدايات حياته العملية اشتغل كينياتا في النجارة، ثم صار عاملا في بلدية نيروبي وعمل في كلية المعلمين بعد عودته من بريطانيا.

أصدر صحيفة شهرية باللغة المحلية لقبيلة كيكويو 1928 فكان سكرتيرا عاما لتحريرها.

تم اعتقال كينياتا وسجنه بتهمة التخطيط للتمرد ضد الاستعمار البريطاني في الخمسينيات، فيما يعرف بثورة الماو ماو. بعد إطلاق سراحه، أصبح رئيسًا لكينيا عندما استعادت البلاد استقلالها في عام 1963.

خدم كينياتا كرئيس لكينيا حتى وفاته في عام 1978. وبالرغم من الجدل الذي يحيط ببعض جوانب حكمه، فإنه يُذكر عادة كشخصية تاريخية هامة في تاريخ كينيا وأفريقيا بشكل عام.

ألف  كينياتا عدة كتب، منها: “كينيا: أرض الصراع”، و”تحدي أوهورو (الاستقلال): التقدم في كينيا”، وسيرته الذاتية “معاناة بلا مرارة”.

حكاية منطق الفيل:

تروي الحكاية أنه في عالم الغاب، بين الأشجار الوارفة الظلال، تعايش الفيل مع صديقه الإنسان الذي يسكن في كوخ صغير. في يوم من الأيام، هبت عاصفة مطرية عنيفة، وطلب الفيل من صديقه الإنسان السماح له بإدخال خرطومه فقط إلى الكوخ حتى تنجلي عنه العاصفة. كان الرجل شفيقا، فلبى بلسان الحال والمقال بعدما أدرك أن الفيل يعاني تحت وطأة المطر وقال له: أيها الفيل إن كوخي صغير كما ترى، ولكن لا بأس أن تدخل خرطومك فقط حتى تنجلي العاصفة، فأدخل الفيل خرطومه وارتاح قليلا من العاصفة الشديدة، وراح يثني على الإنسان بقوله: إنك لإنسان عطوف، وإن من يصنع الجميل لجدير بأن يرد إليه، وسوف يأتي اليوم الذي أستطيع فيه رد الجميل.

وفي الوقت ذاته كان يحشر رأسه رويدا رويدا داخل الكوخ، ولم تكن إلا لحظات من الزمن حتى أدخل الفيل رأسه كله ثم واصل حشر بقية جسده الضخم في الكوخ، ليجبر أخيرًا صاحب الكوخ على الوقوف خارجه تحت المطر، وتوجه الفيل إلى صديقه الإنسان وقال: “أيها الصديق، لا يضر جلدك الرقيق أن يتحمل المطر، فالكوخ لا يكفينا جميعًا”. وبدأ الإنسان يصرخ ويندب حظه. انجذبت الوحوش المحيطة بالغابة إلى مكان الخلاف تريد فصل الخطاب، ثم جاء الملك الأسد مقطّب الجبين وهو يلفظ الأسئلة عن سبب النزاع الذي رأى فيه تهديدا لأمن مملكة الغاب. ولما كان الفيل وزيرا ذا أهمية في المملكة فقد ارتبك لدى رؤية الملك. ثم شرع يتمتم بالشرح ويستفيض مُبينا أن الخلاف بينه وبين صديقه الإنسان ليس إلا مشكلة بسيطة بشأن ملكية الكوخ. تأمل الأسد للحظة وقرر إصدار قرار لدواعي استتباب الأمن وسيادة القانون في الغابة فقال:

جومو كينياتا: استكشاف حكاية منطق الفيل
جومو كينياتا: استكشاف حكاية منطق الفيل

على وزرائي أن يؤلفوا فورا لجنة تحقيق لكي تلقي الضوء على هذه المسألة، وترفع تقريرها إلينا في خلال ثمانية أيام. ثم التفت إلى الرجل وقال له: من الأفضل إن كنت تطلب السلامة أن تعيش في صفاء مع رعيتي، ثم تشكلت اللجنة على هكذا نحو لتضم أعضاء متميزين مثل السيد وحيد القرن والسيد جاموس والسيدة نعامة والسيد فهد، بينما تولى السيد ثعلب مهمة السكرتارية. نظر الرجل إلى هؤلاء السادة محتجا، وقال: إن العدالة تقتضي بأن تضم اللجنة الكريمة عضوا من الجنس البشري. لكن المتحدث باسم اللجنة رد بأن البشر قد لا يكونون على دراية بقوانين الغابة المعقدة. أعضاء اللجنة طمأنوا الرجل بأنهم سيتعاملون مع القضية بحياد شديد. باشرت اللجنة جمع الحقائق وسمعت أولاً من الفيل الذي أبدى عنايته بصديقه الرجل وجهوده لحماية كوخه من العواصف. أشار الفيل إلى أنه عندما لاحظ تسرب المطر داخل الكوخ، قرر إنقاذ الجزء المهمل منه والانتقال إليه. استمعت اللجنة إلى آراء الخبراء بما في ذلك السيدة ضبعة ووافقوا جميعا على موقف الفيل.

ثم جاء دور الرجل ليتحدث، لكن السكرتير السيد ثعلب قاطعه وطلب منه التركيز على النقاط الهامة والحقائق التي أكدها الخبراء. سُئِل الرجل إذا كان أحد قد استخدم الجزء المهمل من الكوخ قبل الفيل، فأجاب بدهشة: “كلا… لكن اللجنة لم تسمح للرجل بمتابعة حديثه وتوجهت إلى المداولة. بعد المناقشة حول مائدة غنية قدمها السيد فيل، توصلت اللجنة إلى القرار التالي: نشأ هذا النزاع بسبب سوء فهم أنتجته وجهة نظر قديمة يتبناها الرجل، وتعتقد اللجنة أن الفيل قام بواجب مقدس لحماية مصلحة الرجل، ومن المنطقي أن يستخدم الفيل الجزء المهمل من الكوخ لأن الرجل بسبب صغر حجمه عاجز عن ملء الكوخ بأكمله، وبناءً على ذلك، ينبغي للفيل أن يستخدم الكوخ كمأوى، بينما يتعين على الرجل طلب تصريح لبناء كوخ جديد يناسب حجمه الصغير كما تعتزم اللجنة مواصلة رعاية الرجل وحماية مصالحه.

ومن خلال هذه الحكاية أراد جومو كينياتا تقديم الكثير من الدروس ومنها:

  • يظهر التاريخ أن الاستغلال والظلم يمكن أن يكون متجذرًا في السلطة والسياسة، ومن الضروري أن نتعلم كيف نتصدى لهذه الممارسات الجائرة.
  • توضح القصة أن القانون والعدالة يمكن استخدامهما كأدوات للقمع والاستيلاء على حقوق الآخرين، وينبغي أن نكون حذرين ومنتبهين لهذه المخاطر.
  • تؤكد القصة على أهمية الثقافة والتاريخ في تعزيز التكاتف والمساواة والعدالة بين أفراد المجتمع.
  • تذكرنا قصة “منطق الفيل” بقوة الإرادة والتحدي وتعلمنا أن الصمود والتكاتف يمكن أن ينجح في مواجهة الظروف الصعبة والتحديات المستمرة.
  • تبرز القصة الدور الهام للقيادة والحكمة في التعامل مع المشكلات.
  • بيان التأثير السلبي للاستعمار البريطاني على المزارعين الكينيين وحياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الخاتمة

في الختام، تختزل قصة “منطق الفيل” العديد من الدروس والقيم الهامة التي يمكن أن تستفيد منها الأجيال القادمة، فهي تعلمنا أن الظروف الصعبة والمحن قد تكون تجربة تعليمية قيّمة، وتذكرنا بأهمية الثقافة والتاريخ في تشكيل هويتنا وقيمنا. كما تحثنا على التمسك بالعدالة والمساواة والتكاتف ضد الظلم والاستغلال، كما تعكس روعة العيش المشترك والتعاون بين أفراد المجتمع وكيف يمكن للوحدة والتضامن أن تصنع تغييرًا إيجابيًا يسهم في بناء مستقبل أفضل.

إقرا المزيد:

 

اظهر المزيد

صالح محمد

كاتب ومترجم مهتم بإثراء المشهد الأدبي والثقافي الأفريقي .
زر الذهاب إلى الأعلى