سافانا الأدب والفنسافانا مختاراتسافانا مقالات الرأى

في رحاب الروائي الصومالي نور الدين فارح

رصد التحولات التي يمر بها المجتمع الصومالي.

سافانا الثقافي – لقد بذلت قصارى جهدي لإبقاء بلدي على قيد الحياة من خلال الكتابة عنه.  لعلّ هذه الجملة تلخص التجربة الإبداعية والهاجس المحرك للكاتب نور الدين فارح.

 من هو نور الدين فارح؟

كاتب وروائي صومالي معاصر يكتب بالإنجليزية، ولد سنة 1945 في مدينة بيدوا في جنوب الصومال، لأب تاجر «حسن فارح»، وأم شاعرة شفوية، وكان له أربعة أشقاء، تردد في طفولته على مدارس الصومال وإثيوبيا المجاورة، وتعلم اللغة الإنجليزية والعربية والأمهرية، وبعد استقلال الصومال بثلاث سنوات أُجبر على الفرار من أوجادين في 1963 بعد حدوث نزاعات حدودية خطيرة.

درس في «جامعة بنجاب»، في مدينة شانديغار الهندية من 1966 إلى 1970، وحصل منها على شهادة في الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع، وفي شانديغار التقى زوجته الأولى «شيترا مولييل فرح»،  وأنجب منها ولدًا قبل أن يتطلقا، ثم انتقل إلى إنجلترا والتحق بجامعة لندن (1974-1975)، وحصل على درجة الماجستير في المسرح من جامعة إسيكس (1975–1976).

كتب روايته الأولى بالإنجليزية عام 1970 بعنوان «( From a Crooked Ri)‏ – من ضلع أعوج» عن فتاة من قبيلة بدائية فرت من زيجة قسرية لرجل أكبر منها سناً بكثير، وقد وصفت تلك الرواية بأنها «أحد الأركان الأساسية لأدب شرق إفريقيا الحديث اليوم»،  وكتب ثلاث ثُلاثيات، وتُعد «خرائط» (1986) أهم رواياته بإجماع النقاد، كما أنها أشهر أعماله، وهي الرواية الأولى ضمن ثلاثيته الثانية «دماء في الشمس».

عاش نور الدين نحو 22 عامًا في المنفى خشية رد فعل الحكومة الصومالية على كتاباته الجريئة، ثم عاد إلى الصومال عام 1996، بعد أن أمضى جزءاً كبيراً من حياته ما بين الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والسودان وغامبيا والهند ونيجيريا.

الشخصية الفريدة في «خرائط»

 

أدبه:

يستوحي الفارح أعماله من تجاربه الشخصية وحياة الإنسان الصومالي اليومية ويستخدم لغة سهلة ومعبرة تجعل النصوص مدمجة وسهلة الفهم للقارئ. وفي عرضه الفني الرائع وخلقه الحياتي المدهش سنقرأ مشاعر مختلفة تتراوح بين الأمل واليأس والحنين للأرض الأصلية، كما يصور حالات الارتباك وعدم الثبات الذي يعيشها الإنسان الصومالي في المهجر. ومن هنا نرى تنوع مضامين رواياته وتوزعها بين الاجتماعية والسياسية والإنسانية

وفي رواياته تصويرًا واضحًا وجليا لتحديات الإنسان الصومالي ومآسيه مما يفتح نافذة على واقع الشعب المضطرب في الصومال.. إنها رحلة إلى الثقافة والتاريخ الصومالي المثير للاهتمام، حيث يسرد معاناة الإنسان الصومالي في الحصول على الأمن والأمان والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية التي تختلف من مدينة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، وبهذا تغطي رواياته الأبعاد المتعددة والمعقدة لحياة الصوماليين وهو ما يؤكد أهمية مساهمته في توثيق وتوضيح حقيقة الحياة في الصوماليين، وفهم النواحي المختلفة والشائكة لحياتهم.

كما نلاحظ في روايات فارح تضمنها التحديات الاجتماعية والسياسية التي تواجه الشعب الصومالي، والتي تخلق العديد من المشكلات والألم بالنسبة للمجتمع. فمن بين هذه التحديات التي يتعرض لها الصوماليون في روايات فارح، يأتي أبرزها التصدي للانقسام العرقي والطائفي، واضطرابات الأمن، والنزاعات الدينية، والصراعات المسلحة، والتطرف الديني، والإرهاب، والنزاعات الداخلية بين القبائل، والفقر، والجوع، والنساء والأطفال المتضررين من الحروب، والنزوح القسري، وانعدام الأمن، بالإضافة إلى الاستغلال الإقليمي والدولي للثروات الطبيعية والإنسانية.

وتلقي الضوء على مواضيع حيوية تتعلق بالعدالة والتحرر والإنصاف، وغيرها من الأزمات والصعاب، التي يعيشها الشعب الصومالي الذي يتعرض لمآسي مختلفة على مدار التاريخ. لذلك، فإن قراءة كتاباته تعد تجرِبة إثراء للذهن والحصول على فهم معمق للتحديات التي تواجه الصومال وشعبها، وكل ذلك بأسلوب سردي شديد الإيقاع، مع اهتمام بالتفاصيل الصغيرة والوصف الدقيق لشخصياته.

استطاع فارح في سرده البارع أن يأخذنا في رحلة مثيرة عبر تاريخ وثقافة هذا الشعب الممزق بالصراعات، وسنحاول هنا استقراء بعض التحديات التي تتضمنها روايات نور الدين فارح. ومدى قدرته على إبراز تجرِبة هذا الشعب في كتاباته المؤثرة

الشخصية الفريدة في “خرائط”

نتعرف في رواية «خرائط» إلى شخصية فريدة ومختلفة من نوعها، وهي شخصية «عسكر» التي تعبّر عن الهُوِيَّة الصومالية بكل أبعادها. حيث ينقل الكاتب من خلال تلك الشخصية المشاعر الإنسانية الغامضة والتي تعرف القارئ بالصومال ومعاناة أهله، فهي شخصية تكشف عن قدرة فائقة في التأقلم والتكيف مع الأحداث المتغيرة والمؤلمة.

وبذلك هي بمثابة صدى للمجتمع الصومالي كُلَّه، كما تجسّد شخصية «عسكر» جمال الصومال، وتُعبر عن الثقافة والتاريخ والحريّة التي يتمنّاها الشعب الصومالي. وتتضمن مجموعة من الأفكار والمفاهيم والتحولات التي يمر بها المجتمع الصومالي.

تحرير المرأة في فترة ما بعد الاستقلال

 

من مضامين أعمال نور الدين فارح:

  • رفض بعض الأهالي في الصومال إرسال أبنائهم للمدارس الحكومية:

وكان ذلك تحديًا في زمن ما بعد الاستقلال. فقد كانت الحكومة الصومالية حديثة العهد في إدارة البلاد، ولم تكن المدارس الحكومية مجهزة بالشكل اللازم لتوفير التعليم الجيد للأطفال. زيادةً على ذلك، فإن بعض الأهالي كانوا يفضلون التعليم الديني في المدارس الخاصة المعروفة بـ “الكتاتيب” حيث يتلقى الأطفال تعليم أساسيات الإسلام والقرآن الكريم. ولكن مع تحسن الوضع التعليمي في الصومال، بدأ الكثيرون في إرسال أبنائهم إلى المدارس الحكومية، إلى جانب المدارس الخاصة.

  • تحرير المرأة في فترة ما بعد الاستقلال:

يهتم الروائي الصومالي، نور الدين فارح، بتحرير المرأة في زمن ما بعد الاستقلال. حيث قدم في أعماله نماذج لبطلات قويات ومتفوقات يحاربن من أجل حريتهن ومساواتهن بالرجل. كما تسعى شخصيات رواياته إلى التغيير وتحرير المرأة من القيود والعادات الجبانة. فالفارح اشتغل على إبراز صومالية النساء وإعطائهن المكانة المستحقة في الإبداع والعمل والتنمية. وفي ظل الحركة النسوية والمساواة بين الجنسين، تظهر رواياته كلمات الانتقاد للتخلف الذكوري والدعوة للتحول نحو مجتمع يعترف بقيمة المرأة وحقوقها.

  • تحديات الصومالي في المهجر

يتطرق الفارح في أعماله لتحديات الإنسان الصومالي في المهجر، ففي سردية “خرائط” يجسد شخصية “عسكر” المعاناة التي يواجهها الإنسان الصومالي في وطنه على جميع الأصعدة، بدءًا من مشكلات اللاجئين حتى التحديات النفسية التي يعانيها. ينقل ذلك ببراعة للقارئ بأسلوبه الفريد الذي اعتمد على كسر الشروط الشفوية للأدب الصومالي وتجديد الرؤية الأدبية.

  • التقاليد الصومالية في المهجر:

يعد التعرض لموضوع التقاليد الصومالية في المهجر من أبرز محاور روايات الفارح، حيث يوضح أن الهجرة من الوطن واللجوء للخارج لم تحرم الصوماليين من الاحتفاظ بتقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية. ويبدو أن هذه العادات والتقاليد قد ازدهرت في المهجر، ولم تتأثر كثيرا بالتحولات الاجتماعية في المجتمعات المضيفة. وبالرغم من تعرض الصوماليين في المهجر لمختلف الصعوبات الاجتماعية، إلا أنهم قادرون على الحفاظ على تراثهم الثقافي والتقليدي، وتظهر ذلك بوضوح في عدة أعمال كتبها نور الدين فارح، مما يجعلها مؤشرا على وعي الصوماليين في المهجر للحفاظ على تراثهم.

عناوين روايات نور الدين فارح

وتحمل أعمال الفارح عناوين مستوحاة من الواقع والخيال. بدأ طريقه الأدبي برواية ” من ضلع أعوج”، ثم جاءت بعدها “السردين”، و”دماء في الشمس”، و”” إبرة عارية”، و”أغلق يا سمسم، ورواية ” أسرار ” وهدايا ”  بالإضافة إلى رواية “خرائط” التي نالت إعجاب الكثيرين وحظيت باهتمام واسع، “ومن أعماله المسرحية المشهورة ” خنجر في الفراغ”.

خاتمة :

تعد روايات نور الدين فارح لها أهمية كبيرة في تجسيد وتوثيق تجرِبة الشعب الصومالي ومساعدتنا في فهمها والتفكير في الحلول المناسبة، ويعدّ نور الدين فارح أحد أهم الكتاب الإفريقيين في السنوات الأخيرة. 

إقرا المزيد:

اظهر المزيد

صالح محمد

كاتب ومترجم مهتم بإثراء المشهد الأدبي والثقافي الأفريقي .
زر الذهاب إلى الأعلى