سافانا مختاراتسافانا مقالات الرأى

مالي تتطلع لاستعادة لغتها الأم (اللغة البامبارية) عن طريق الذكاء الاصطناعي

لم يكن لدى معظم طلاب مالي الواقعة في غرب إفريقيا، فرصة لرؤية لغتهم الأم مكتوبة حتى وقت قريب. الآن بات بإمكانهم ترديد الكلمات المكتوبة على شاشات أجهزة الكمبيوتر المحمولة أمامهم بحماس. يتعثر الطلاب أحيانًا وهم يقرؤون القصص المكتوبة بلغة بامبارا، اللغة الأكثر شيوعًا في مالي، التي تُعرض على شاشاتهم بعد ترجمتها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولكن بمرور الوقت أصبحوا يتقنون قراءة هذه الكلمات التي اعتادوا سماعها والتحدث بها.

اللغة البامبارية والنفوذ الفرنسي المتراجع

مع تفاقم التوتر السياسي بين مالي وفرنسا، زادت الجهود نحو تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير كتب للأطفال بلغات محلية. أبرزها بامبارا وفي محاولة للتخلص من الاعتماد على اللغة الفرنسية، لغة المستعمر السابق. وفي العام الماضي ومع تزايد الفجوة بين مالي وفرنسا، قامت الحكومة العسكرية باستبدال الفرنسية كلغة رسمية في البلاد بلغة بامبارا و12 لغة محلية أخرى. ورغم ذلك، لا تزال الفرنسية تُستخدم في بعض المؤسسات الحكومية والمدارس، حسب تقرير “واشنطن بوست”.

جهود تعزيز اللغات المحلية

يمثل هذا التحول دعمًا إضافيًا لمبادرات مثل التي تقودها شركة “RobotsMali”، التي تعمل على تطوير الكتب التعليمية بلغة بامبارا باستخدام الذكاء الاصطناعي. سيني توجنين وهو مسؤول في وزارة التعليم المالي، شارك مع “RobotsMali” في إنتاج أكثر من 140 كتابًا بلغة بامبارا خلال العام الماضي. ويقول توجنين: “الحكومة والشعب في مالي الآن ملتزمون بتعلم اللغات المحلية وتقدير قيمتها”.

دور الذكاء الاصطناعي في تعليم لغة بامبارا

تعتمد “RobotsMali” على الذكاء الاصطناعي لإنتاج قصص تعكس حياة المجتمع المالي وثقافته. فبدلاً من ترجمة الأعمال الكلاسيكية الفرنسية مثل “الأمير الصغير” إلى البامبارا، يتم إدخال طلبات مخصصة إلى أدوات مثل ChatGPT لكتابة قصص حول ما يفعله الأطفال في حياتهم اليومية. كما يستخدم الفريق كذلك “ترجمة جوجل” لإجراء الترجمة الأولية للنصوص، والتي أصبحت تدعم لغة بامبارا منذ عام 2022. ثم يقوم خبراء مثل توجنين بمراجعة وتصحيح الأخطاء. كما يتم الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي لتوليد صور توضيحية تتناسب مع حياة الأطفال الماليين.

تجربة التعليم الجديد بـ لغة بامبارا

في صفوف مدارس سافو، جلس الطلاب الذين لم يلتحقوا من قبل بمدارس رسمية أو تركوا الدراسة، وتعلموا مع معلميهم قصصًا جديدة حول القيم والسلوكيات اليومية. من ضمن هذه القصص، ما يحث على عدم إهدار الطعام أو مضايقة الآخرين. قرأ الطلاب النصوص بصوت عالٍ، وأظهروا حماسًا كبيرًا، وقاموا بمساعدة بعضهم البعض على تصحيح الأخطاء.

سوكو كوليبالي، طفلة هادئة تبلغ من العمر 10 سنوات لم تلتحق بأي مدرسة من قبل، جلست في الصف الأمامي وبدأت تتابع بإصبعها الكلمات المعروضة على الشاشة. تقول إنها شعرت ببعض الخوف عندما رأت لغة بامبارا مكتوبة لأول مرة، لكنها الآن بعد بضع دروس فقط، تجد أن فك رموز الكلمات أصبح سهلاً. بدأت سوكو في إحضار الكتب إلى والدتها، التي تعد واحدة من بين نسبة 70% من سكان مالي الذين لم يتعلموا القراءة أو الكتابة قط.

مالي تتطلع لاستعادة لغتها الأم (اللغة البامبارية) عن طريق الذكاء الاصطناعي
مالي تتطلع لاستعادة لغتها الأم (اللغة البامبارية) عن طريق الذكاء الاصطناعي

التحدي أمام اللغات الأفريقية

مع وجود ما يقرب من 1000 لغة في أفريقيا، تظل الغالبية العظمى منها غير ممثلة على الإنترنت. مما دفع منصات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT إلى محاولة تدريب نفسها عليها. ومع ذلك، فإن هذه المهمة لا تزال تواجه تحديات كبيرة. فعلى سبيل المثال، يشير أسميلاش تيكا هادجو إلى أن استخدام ChatGPT لطرح أسئلة باللغة الأمهرية أو التغرينية. اللغتين الأكثر استخدامًا في إثيوبيا، ينتج غالبًا خليطًا غير مفهوم من الكلمات من تلك اللغتين وأحيانًا لغات أخرى أيضًا.

هادجو، الذي أسس شركة ناشئة متخصصة في الترجمة بين اللغتين الإنجليزية والإثيوبية باستخدام تقنيات التعلم الآلي. يرى أن مشاريع مثل “RobotsMali” تشير إلى الإمكانيات الكبيرة التي يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي لتطوير اللغات الأفريقية. ويقول: “إذا تم تنفيذ هذه المشاريع بشكل صحيح، فستكون النتائج هائلة فيما يخص تمكين الوصول إلى التعليم”.

عصر الوصول للذكاء الاصطناعي

نيت ألين وهو الأستاذ المشارك في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أشار إلى أن التطورات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تقودها الولايات المتحدة والصين ليست حصرية. ومشاريع مثل تلك التي تنفذ في مالي تُظهر كيف أن العالم يعيش اليوم في عصر يسهل فيه الوصول إلى هذه التكنولوجيا الثورية.

إثراء الثقافة واللغة

سيني توجنين، أحد المشاركين في برنامج “RobotsMali”، أشار إلى أن البرنامج ساعد وزارة التعليم في مالي على تحسين كفاءتها. قائلاً: “في غضون أسبوع واحد فقط، تم إنتاج كتابين”. جهود سابقة للحكومة لإدخال لغة بامبارا في المناهج الدراسية فشلت بسبب نقص الدعم المالي والتدريب. إلى جانب تردد بعض الآباء في قبول تعليم أطفالهم بلغة غير الفرنسية. ومع ذلك، ازداد الدعم في السنوات الأخيرة لتعليم اللغات المحلية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى توجه الحكومة لتعزيز السيادة الوطنية وتقليل التأثير الفرنسي.

بكاري سانوغو، عضو آخر في وزارة التعليم المالي، أكد أهمية كتابة القصص بلغات مثل بامبارا. قائلاً: “هذا يعزز تراثنا الثقافي واللغوي، ويمكّننا من الحفاظ على هويتنا الثقافية وتطويرها”. 

آفاق الذكاء الاصطناعي لتطوير التعليم

جويل ليفينثال، الذي انتقل إلى مالي بعد مسيرة مهنية في وادي السيليكون. أوضح أن الهدف على المدى الطويل هو استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير تقليد أقوى للكتابة بلغة بامبارا مقارنة بالوضع الحالي. تحقيق هذا الهدف يتطلب جمع المزيد من البيانات اللغوية. لكنه أشار إلى أن التركيز الحالي ينصب على المبادرات الصغيرة مثل برنامج “RobotsMali”. حيث تمكن الأطفال الذين لم يعرفوا القراءة في البداية من تعلم أساسيات القراءة بلغة بامبارا بعد 9 أسابيع من التدريب. عندما انتهى البرنامج في أبريل بسبب نفاد التمويل من مؤسسة بيل وميليندا جيتس. كان 10 من أصل 11 طفلاً قد تعلموا قراءة بامبارا على مستوى أساسي على الأقل.

إقرا المزيد:

اظهر المزيد

savannahafrican

فريق التحرير موقع سافانا الثقافي
زر الذهاب إلى الأعلى